الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا )

                                                                                                                                                                                                                                            وفي الآية مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أن قوله : ( لكن ) لا يبتدأ به لأنه استدراك على ما سبق ، وفي ذلك المستدرك قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن هذه الآيات بأسرها جواب عن قوله : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) [النساء : 153] وهذا الكلام يتضمن أن هذا القرآن ليس كتابا نازلا عليهم من السماء ، فكأنه قيل : إنهم وإن شهدوا بأن القرآن لم ينزل عليه من السماء لكن الله يشهد بأنه نازل عليه من السماء . الثاني : أنه تعالى لما قال : ( إنا أوحينا إليك ) قال القوم : نحن لا نشهد لك بذلك ، فنزل ( لكن الله يشهد ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : شهادة الله إنما عرفت بسبب أنه أنزل عليه هذا القرآن البالغ في الفصاحة في اللفظ والشرف في المعنى إلى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضته ، فكان ذلك معجزا وإظهار المعجزة شهادة بكون المدعي صادقا ، ولما كانت شهادته إنما عرفت بواسطة إنزال القرآن لا جرم قال : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك ) أي : يشهد لك بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله إليك .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( أنزله بعلمه ) وفيه مسألتان .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أنه تعالى لما قال : ( يشهد بما أنزل إليك ) بين صفة ذلك الإنزال وهو أنه تعالى أنزله بعلم تام وحكمة بالغة ، فصار قوله ( أنزله بعلمه ) جاريا مجرى قول القائل : كتبت بالقلم وقطعت بالسكين ، والمراد من قوله : ( أنزله بعلمه ) وصف القرآن بغاية الحسن ونهاية الكمال ، وهذا مثل ما يقال في الرجل المشهور بكمال الفضل والعلم إذا صنف كتابا واستقصى في تحريره : إنه إنما صنف هذا بكمال علمه وفضله ، يعني أنه اتخذ جملة علومه آلة ووسيلة إلى تصنيف هذا الكتاب ، فيدل ذلك على وصف ذلك التصنيف بغاية الجودة ونهاية الحسن ، فكذا ههنا والله أعلم . [ ص: 89 ]

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال أصحابنا : دلت الآية على أن لله تعالى علما ، وذلك لأنها تدل على إثبات علم الله تعالى ، ولو كان علمه نفس ذاته لزم إضافة الشيء إلى نفسه وهو محال .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( والملائكة يشهدون ) وإنما تعرف شهادة الملائكة له بذلك لأن ظهور المعجز على يده يدل على أنه تعالى شهد له بالنبوة ، وإذا شهد الله له بذلك فقد شهدت الملائكة لا محالة بذلك لما ثبت في القرآن أنهم لا يسبقونه بالقول ، والمقصود كأنه قيل : يا محمد إن كذبك هؤلاء اليهود فلا تبال بهم فإن الله تعالى وهو إله العالمين يصدقك في ذلك ، وملائكة السماوات السبع يصدقونك في ذلك ، ومن صدقه رب العالمين وملائكة العرش والكرسي والسموات السبع أجمعون لم يلتفت إلى تكذيب أخس الناس ، وهم هؤلاء اليهود .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وكفى بالله شهيدا ) والمعنى : وكفى الله شهيدا ، وقد سبق الكلام في مثل هذا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية