الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : الصحيح عندنا وجوب الزكاة في الحلي ، والدليل عليه قوله تعالى :( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : هذا الوعيد إنما يتناول الرجال لا النساء .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : نتكلم في الرجل الذي اتخذ الحلي لنسائه ، وأيضا ترتيب هذا الوعيد على جمع الذهب والفضة حكم مرتب على وصف يناسبه ، وهو أن جمع ذلك المال يمنعه من صرفه إلى المحتاجين مع أنه لا حاجة إليه ، إذ لو احتاج إلى إنفاقه لما قدر على جمعه ، وإقدام غير المحتاج على منع المال من المحتاج يناسب أن يمنع منه ، فثبت أن هذا الوعيد مرتب على وصف يناسبه ، والحكم المذكور عقيب وصف يناسبه يجب كونه معللا به ، فثبت أن هذا الوعيد لذلك الجمع ، فأينما حصل ذلك الوصف وجب أن يحصل معه ذلك الوعيد ، وأيضا إن العمومات الواردة في إيجاب الزكاة موجودة في الحلي المباح قال عليه السلام : " هاتوا ربع عشر أموالكم " وقال : " في الرقة ربع العشر " وقال : "يا علي عليك زكاة ، فإذا ملكت عشرين مثقالا ، فأخرج نصف مثقال " وقال : " ليس في المال حق سوى الزكاة " وقال : " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " فهذه الآية مع جميع هذه الأخبار توجب الزكاة في الحلي المباح ، ثم نقول : ولم يوجد لهذا الدليل معارض من الكتاب ، وهو ظاهر ؛ لأنه ليس في القرآن ما يدل على أنه زكاة في الحلي المباح ، ولم يوجد في الأخبار أيضا معارض إلا أن أصحابنا نقلوا فيه خبرا ، وهو قوله عليه السلام : " لا زكاة في الحلي المباح " إلا أن أبا عيسى الترمذي قال : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلي خبر صحيح ، وأيضا بتقدير أن يصح هذا الخبر فنحمله على اللآلئ ؛ لأنه قال : لا زكاة في الحلي ، ولفظ الحلي مفرد محلى بالألف واللام ، وقد دللنا على أنه لو كان هناك معهود سابق ، وجب انصرافه إليه ، والمعهود في القرآن في لفظ الحلي اللآلئ ، قال تعالى :(وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) [النحل : 14] وإذا كان كذلك انصرف لفظ الحلي إلى اللآلئ ، فسقطت دلالته ، وأيضا الاحتياط في القول بوجوب الزكاة ، وأيضا لا يمكن معارضة هذا النص بالقياس ؛ لأن النص خير من القياس ، فثبت أن الحق ما ذكرناه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية