الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما حكى عن الملائكة أنهم يستغفرون للذين تابوا ، بين كيفية ذلك الاستغفار ، فحكى عنهم أنهم قالوا : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أن الدعاء في أكثر الأمور مذكور بلفظ "ربنا" ويدل عليه أن الملائكة عند الدعاء قالوا : ( ربنا ) بدليل هذه الآية ، وقال آدم عليه السلام : ( ربنا ظلمنا أنفسنا ) وقال نوح عليه السلام : ( رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ) [هود : 47] وقال أيضا : ( رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ) [نوح : 5] وقال أيضا : ( رب اغفر لي ولوالدي ) [نوح : 28] وقال عن إبراهيم عليه السلام : ( رب أرني كيف تحي الموتى ) [البقرة : 260] وقال : ( ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) [إبراهيم : 41] وقال : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) [البقرة : 128] وقال عن يوسف : ( رب قد آتيتني من الملك ) [يوسف : 101] وقال عن موسى عليه السلام : ( رب أرني أنظر إليك ) [الأعراف : 143] وقال في قصة الوكز : ( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) [القصص : 17] وحكى تعالى عن داود ( فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ) [ص : 24] وعن سليمان أنه قال : ( رب اغفر لي وهب لي ملكا ) [ص : 35] وعن زكريا أنه ( نادى ربه نداء خفيا ) [مريم : 3] وعن عيسى عليه السلام أنه قال : ( ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) [المائدة : 114] وعن محمد صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال له : ( وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ) [المؤمنون : 97] وحكى عن المؤمنين أنهم قالوا : ( ربنا ما خلقت هذا باطلا ) [آل عمران : 191] وأعادوا هذه اللفظة خمس مرات ، وحكى أيضا عنهم أنهم قالوا : ( غفرانك ربنا وإليك المصير ) [البقرة : 285] إلى آخر السورة .

                                                                                                                                                                                                                                            فثبت بما ذكرنا أن من أرضى الدعاء أن ينادي العبد ربه بقوله : يا رب ، وتمام الإشكال فيه أن يقال : لفظ (الله) أعظم من لفظ (الرب) ، فلم صار لفظ الرب مختصا بوقت الدعاء؟ ، والجواب : كأن العبد يقول : كنت في كتم العدم والمحض والنفي الصرف ، فأخرجتني إلى الوجود ، وربيتني فاجعل تربيتك لي شفيعا إليك في أن لا تخليني طرفة عين عن تربيتك وإحسانك وفضلك . [ ص: 32 ] المسألة الثانية : السنة في الدعاء ، يبدأ فيه بالثناء على الله تعالى ، ثم يذكر الدعاء عقيبه ، والدليل عليه هذه الآية ، فإن الملائكة لما عزموا على الدعاء والاستغفار للمؤمنين بدءوا بالثناء فقالوا : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) وأيضا أن الخليل عليه السلام لما أراد أن يذكر الدعاء ذكر الثناء أولا فقال : ( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) [الشعراء : 78 82] فكل هذا ثناء على الله تعالى ، ثم بعده ذكر الدعاء فقال : ( رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ) [الشعراء : 83] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية