الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما بين بالدلائل التي تقدمت صحة دين الإسلام حكى بعدها أنواعا من شبه المخالفين الطاعنين في الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                                            الشبهة الأولى : حكى عنهم أنهم قالوا : ( كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) ولم يذكروا في تقرير ذلك شبهة ، بل أصروا على التقليد ، فأجابهم الله تعالى عن هذه الشبهة من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ذكر جوابا إلزاميا وهو قوله : ( قل بل ملة إبراهيم حنيفا ) وتقرير هذا الجواب أنه إن كان طريق الدين التقليد فالأولى في ذلك اتباع ملة إبراهيم ، لأن هؤلاء المختلفين قد اتفقوا على صحة دين إبراهيم والأخذ بالمتفق أولى من الأخذ بالمختلف إن كان المعول في الدين على التقليد ، فكأنه سبحانه قال : إن كان المعول في الدين على الاستدلال والنظر ، فقد قدمنا الدلائل ، وإن كان المعول على التقليد فالرجوع إلى دين إبراهيم عليه السلام وترك اليهودية والنصرانية أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : أليس أن كل واحد من اليهود والنصارى يدعي أنه على دين إبراهيم عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : لما ثبت أن إبراهيم كان قائلا بالتوحيد ، وثبت أن النصارى يقولون بالتثليث ، واليهود يقولون بالتشبيه ، فثبت أنهم ليسوا على دين إبراهيم عليه السلام ، وأن محمدا عليه السلام لما دعا إلى التوحيد ، كان هو على دين إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                            ولنرجع إلى تفسير الألفاظ : أما قوله : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى ) فلا يجوز أن يكون المراد به التخيير ، إذ المعلوم من حال اليهود أنها لا تجوز اختيار النصرانية على اليهودية ، بل تزعم أنه كفر . والمعلوم من حال النصارى أيضا ذلك بل المراد أن اليهود تدعو إلى اليهودية والنصارى إلى النصرانية ، فكل فريق يدعو إلى دينه ، ويزعم أنه الهدى فهذا معنى قوله : ( تهتدوا ) أي أنكم إذا فعلتم ذلك اهتديتم وصرتم على سنن الاستقامة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية