الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : في تفسير الإتمام في قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، وفيه وجوه .

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : روي عن علي وابن مسعود أن إتمامهما أن يحرم من دويرة أهله .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قال أبو مسلم : المعنى أن من نوى الحج والعمرة لله وجب عليه الإتمام ، قال : ويدل على صحة هذا التأويل أن هذه الآية إنما نزلت بعد أن منع الكفار النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة الماضية عن الحج والعمرة ، فالله تعالى أمر رسوله في هذه الآية أن لا يرجع [ ص: 123 ] حتى يتم هذا الفرض ، ويحصل من هذا التأويل فائدة فقهية ، وهي أن تطوع الحج والعمرة كفرضيهما في وجوب الإتمام .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : قال الأصم : إن الله تعالى فرض الحج والعمرة ثم أمر عباده أن يتموا الآداب المعتبرة ، وذكر الشيخ الإمام أبو حامد الغزالي - رحمه الله - في كتاب الإحياء ما يتعلق بهذا الباب ، فقال : الأمور المعتبرة قبل الخروج إلى الإحرام ثمانية :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : في المال فينبغي أن يبدأ بالتوبة ، ورد المظالم ، وقضاء الديون ، وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ، ويرد ما عنده من الودائع ، ويستصحب من المال الطيب الحلال ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير ، بل على وجه يمكنه من التوسع في الزاد والرفق بالفقراء ، ويتصدق بشيء قبل خروجه ، ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل أو يكتريها ، فإن اكتراها فليظهر للمكاري كل ما يحصل رضاه فيه .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : في الرفيق فينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبا للخير ، معينا عليه إن نسي ذكره ، وإن ذكر ساعده ، وإن جبن شجعه ، وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره ، وأما الإخوان والرفقاء المقيمون فيودعهم ، ويلتمس أدعيتهم ، فإن الله تعالى جعل في دعائهم خيرا ، والسنة في الوداع أن يقول : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : في الخروج من الدار ، فإذا هم بالخروج صلى ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة ( قل ياأيها الكافرون ) [ الكافرون : 1 ] ، وفي الثانية " الإخلاص " وبعد الفراغ يتضرع إلى الله بالإخلاص .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : إذا حصل على باب الدار قال : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكلما كانت الدعوات أزيد كانت أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : في الركوب ، فإذا ركب الراحلة قال : بسم الله وبالله والله أكبر ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، سبحان الله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون .

                                                                                                                                                                                                                                            السادس : في النزول ، والسنة أن يكون أكثر سيره بالليل ، ولا ينزل حتى يحمى النهار ، وإذا نزل صلى ركعتين ودعا الله كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                            السابع : إن قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار ، فليقرأ آية الكرسي ، وشهد الله ، والإخلاص ، والمعوذتين ، ويقول : تحصنت بالله العظيم ، واستعنت بالحي الذي لا يموت .

                                                                                                                                                                                                                                            الثامن : مهما علا شرفا من الأرض في الطريق ، فيستحب أن يكبر ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                                            التاسع : أن لا يكون هذا السفر مشوبا بشيء من أثر الأغراض العاجلة كالتجارة وغيرها .

                                                                                                                                                                                                                                            العاشر : أن يصون الإنسان لسانه عن الرفث والفسوق والجدال ، ثم بعد الإتيان بهذه المقدمات ، يأتي بجميع أركان الحج على الوجه الأصح الأقرب إلى موافقة الكتاب والسنة ، ويكون غرضه في كل هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله تعالى ، فقوله : ( وأتموا الحج والعمرة ) كلمة شاملة جامعة لهذه المعاني ، فإذا أتى العبد بالحج على هذا الوجه كان متبعا ملة إبراهيم ؛ حيث قال تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) [ البقرة : 124 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الرابع : في تفسير قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) أن المراد : أفردوا كل واحد منهما بسفر ، وهذا تأويل من قال بالإفراد ، وقد بيناه بالدليل ، وهذا التأويل يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد يروى مرفوعا عن أبي هريرة ، وكان عمر يترك القران والتمتع ، ويذكر أن ذلك أتم للحج والعمرة وأن يعتمر في غير شهور الحج ، فإن الله تعالى يقول : ( الحج أشهر معلومات ) [ البقرة : 197 ] وروى نافع عن ابن عمر أنه قال : فرقوا بين حجكم وعمرتكم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية