الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 373 ] مسألة

" ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روى أصوله "

أما تروية أصول الشعر وإيصال الماء إلى بشرته فيجب كما تقدم ، وكذلك يجب غسل ظاهره وأثنائه والمسترسل منه وما ثبت في الجسد ، سواء كان مظفورا أو مجدولا في المشهور من المذهب . وقيل : لا يجب غسل المسترسل منه وشعر الجسد ، وإنما يجب غسل ما لم يتم غسل البشرة إلا به ؛ لأن الشعر ليس من أجزاء الحيوان ، وقيل : إنما يسقط غسله أثناء المسترسل إذا كان مظفورا ؛ لأنه لا يجب نقضه . والأول هو المذهب المعروف ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فبلوا الشعر " . وقد احتج به الإمام أحمد ؛ ولأنه إذا وجب غسل البشرة الباطنة فغسل الشعر أولى ، ولأنه يجب تطهيره من النجاسة فكذلك من الجنابة كغيره ، فعلى هذا لا تنقضه في غسل الجنابة إذا وصل الماء إلى أثنائه ، وتنقضه في غسل الحيض . قال مهنا : سألت أحمد عن المرأة تنقض شعرها إذا اغتسلت من الجنابة فقال : لا ، فقلت له : في هذا شيء ، قال : نعم حديث أم سلمة قلت : تنقض شعرها من الحيض ؟ قال : نعم ، فقلت له : وكيف تنقضه من الحيض ولا تنقضه من الجنابة ؟ فقال : حديث أسماء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " تنقضه " .

أما الأول فلما روى عبيد بن عمير قال : بلغ عائشة أن عبد الله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن ، فقالت : يا عجبا لابن عمر ، هو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن أو يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن : [ ص: 374 ] " لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد ، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات " رواه أحمد ومسلم . ولغير ذلك من الأحاديث . والرجل في ذلك كالمرأة ، فإذا كان الشعر خفيفا ، أو كان عليه سدر رقيق ، كفاه أن يصب الماء على رأسه ويعصر في أثر كل صبة بحيث يرى أن قد وصل الماء إلى باطن الشعر ، وإن كان كثيفا محكما أو عليه سدر ثخين أو حشو يمنع وصول الماء أزال ذلك .

وأما الحيض فهل نقض الشعر فيه واجب أو مستحب ؟ على وجهين : أحدهما : يجب ؛ لما ذكره الإمام أحمد في حديث أسماء أنه قال : " تنقضه " وإن لم تكن هذه اللفظة فيه ، والسياق الذي ذكرناه في المسألة قبل هذه لكن فيه ذكر السدر ، والسدر إنما يستعمل مع نقض . وقد احتج بعض أصحابنا لذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة لما أخبرت أنها حائض فقال : " انقضي رأسك وامتشطي " متفق عليه .

وفي لفظ " انقضي شعرك واغتسلي " . وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بالخطمي والأشنان ، وإذا اغتسلت من الجنابة تصب الماء على رأسها صبا وغسلته " رواه ابن شاهين .

[ ص: 375 ] ولأن الحيض لا يتكرر ، فلا يشق إيجاب نقضه ، بخلاف الجنابة . والوجه الثاني : لا يجب ، بل يستحب ؛ لما روت أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله ، إني امرأة أشد ظفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة ، قال : " لا ، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين " رواه أحمد ، ومسلم ، وابن ماجه ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

وفي رواية لمسلم : " أفأنقضه للحيضة وللجنابة " وفي لفظ لأبي داود : " واغمزي قرونك عند كل حفنة " وحملوا النقض على الاستحباب كالسدر والطيب ، فإنه يستحب في كل غسل الحيض استحبابا مؤكدا حتى قال أحمد : " وإن كانت قد اغتسلت بالماء ثم وجدت السدر ، أحب إلي أن تعود إلى السدر " .

وقال في الطيب : " تمسك في القطنة شيئا من طيب يقطع عنها رائحة الدم وزفرته " .

وقال القاضي : " فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب ، فإن لم تجد فالطين ، فإن لم تجد فالماء شاف كاف " وذلك لما تقدم من حديث الفرصة ، قال إبراهيم الحربي : " الفرصة قطعة قطن أو صوف تمس بشيء من طيب وتدخلها المرأة فرجها لتطيب بذلك مخرج الدم " وهذا لأن الحيض لما طالت مدته وحصل فيه وسخ وأذى ، شرع فيه ما يحصل النظافة التامة ؛ ولهذا لما سئل أحمد عن النفساء والحائض كم مرة يغتسلان قال : " كما يغسل الميت " قال القاضي : " ومعنى هذا أنه يجب مرة ويستحب ثلاثا ، ويكون فيه السدر والطيب كما في غسل الميت " .

التالي السابق


الخدمات العلمية