الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن قرأ الإمام الفاتحة فأمن والمأموم في أثناء الفاتحة فأمن بتأمينه ففيه وجهان قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني تنقطع القراءة كما لو قطعها بقراءة غيرها . وقال شيخنا القاضي أبو الطيب لا تنقطع ; لأن ذلك مأمور به فلا تنقطع القراءة كالسؤال في آية الرحمة ، والاستعاذة من النار في آية العذاب فيما يقرأ في صلاته منفردا )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا أتى في أثناء الفاتحة بما ندب إليه لمصلحة الصلاة مما يتعلق بها كتأمين المأموم وسجوده معه لتلاوته وفتحه عليه القراءة وسؤاله الرحمة عند قراءة آيتها والاستعاذة من العذاب عند قراءة آيته ونحو ذلك فهل تنقطع موالاة الفاتحة ؟ ( فيه وجهان ) مشهوران ( أصحهما ) لا ينقطع بل يبنى عليها وتجزيه وبهذا قال أبو علي الطبري والقفال [ ص: 316 ] والقاضي أبو الطيب وأبو الحسن الواحدي في تفسيره البسيط ، وصححه الغزالي والشاشي والرافعي وغيرهم :

                                      ( والثاني ) تنقطع فيجب استئناف الفاتحة وهو قول الشيخ أبي حامد والمحاملي والبندنيجي وصححه صاحب التتمة ، ولا يطرد الوجهان في كل مندوب ، فلو أجاب المؤذن في أثناء الفاتحة أو عطس فقال : الحمد لله أو فتح القراءة على غير إمامه أو سبح لمن استأذن عليه أو نحوه انقطعت الموالاة بلا خلاف صرح به البغوي والأصحاب قالوا : وإنما الوجهان في ذكر متعلق بالصلاة لمصليها ، وظاهر كلام المصنف أن السؤال في آية الرحمة والعذاب لا يقطع الموالاة وجها واحدا ولا يجري فيه الوجهان في التأمين . وليس هو كما قال ، بل الوجهان في السؤال عند آية الرحمة والاستعاذة لآية العذاب مشهوران صرح بهما الشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين والغزالي وصاحب التهذيب وآخرون لا يحصرون ، واتفقوا على جريانه في سجوده مع إمامه للتلاوة .

                                      وينكر على المصنف شيئان :

                                      ( أحدهما ) قياسه على السؤال في آية الرحمة والعذاب فأوهم أنه لا خلاف فيه ، وفيه الخلاف كما ذكرنا ( والثاني ) إضافته عدم الانقطاع إلى القاضي أبي الطيب وحده فأوهم أنه لم يقل به غيره ، أو لم يسبق إليه وليس هو كذلك ، بل القول بعدم الانقطاع لأبي علي الطبري ذكره في الإفصاح وهو متقدم على القاضي أبي الطيب بأزمان ، والعجب أن القاضي أبا الطيب ذكر المسألة في تعليقه وقال : فيها وجهان ( أصحهما ) وهو قول أبي علي الطبري في الإفصاح لا ينقطع :

                                      ( والثاني ) قول الشيخ أبي حامد ينقطع فكان ينبغي للمصنف أن يقول كما قاله شيخه : والثاني لا ينقطع وهو قول أبي علي الطبري واختاره شيخنا أبو الطيب قال القاضي أبو الطيب ولو كان في أثناء الفاتحة فقرأ الإمام { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } فقال المأموم : بلى . تنقطع قراءته يعني أنه كسؤال الرحمة فيكون على الخلاف والله أعلم . والأحوط في هذه الصور أن يستأنف الفاتحة ليخرج من الخلاف .

                                      ( واعلم ) أن الخلاف مخصوص بمن أتى بذلك عامدا عالما . أما من أتى به ساهيا أو جاهلا فلا تنقطع قراءته بلا خلاف ، صرح به صاحب التتمة [ ص: 317 ] وغيره وهو واضح مفهوم مما سبق قريبا أن الفاتحة لا تنقطع بما تخللها في حالة النسيان ، قال صاحب التتمة دليله أن الصلاة لا تبطل بما تخللها ناسيا أو جاهلا فكذا الفاتحة .




                                      الخدمات العلمية