الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 499 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وتطوعها ضربان ( ضرب ) تسن له الجماعة ( وضرب ) لا تسن له فما سن له الجماعة صلاة العيدين والكسوف والاستسقاء ، وهذا الضرب أفضل مما لا تسن له الجماعة ; لأنها تشبه الفرائض في سنة الجماعة ، وأوكد ذلك صلاة العيد ; لأنها راتبة بوقت كالفرائض ، ثم صلاة الكسوف ; لأن القرآن دل عليها ، قال الله تعالى { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن } وليس ههنا صلاة تتعلق بالشمس والقمر إلا صلاة الكسوف ثم صلاة الاستسقاء ولهذه الصلوات أبواب نذكر فيها أحكامها إن شاء الله تعالى وبه الثقة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا تطوع الصلاة ضربان :

                                      ( ضرب ) تسن فيه الجماعة وهو العيد ، والكسوف ، والاستسقاء ، وكذا التراويح على الأصح ( وضرب ) لا تسن له الجماعة ، لكن لو فعل جماعة صح وهو ما سوى ذلك قال أصحابنا : وأفضلها وآكدها صلاة العيد ; لأنها تشبه الفرائض ، ولأنها يختلف في كونها فرض كفاية ثم الكسوفين ثم الاستسقاء وهذا لا خلاف فيه . وأما التراويح فقال أصحابنا : إن قلنا الانفراد بها أفضل فالنوافل الراتبة مع الفرائض كسنة الصبح والظهر وغيرهما أفضل منها بلا خلاف ، وإن قلنا - بالأصح أن الجماعة فيها أفضل فوجهان مشهوران حكاهما المحاملي وإمام الحرمين وابن الصباغ وسائر الأصحاب :

                                      ( أحدهما ) أن التراويح أفضل من السنن الراتبة ; لأنها تسن لها الجماعة فأشبهت العيد ، وهذا اختيار القاضي أبي الطيب في تعليقه ، ( والثاني ) وهو الصحيح باتفاق الأصحاب أن السنن الراتبة أفضل وهذا ظاهر نص الشافعي رحمه الله في المختصر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الراتبة دون التراويح وضعف إمام الحرمين وغيره الوجه الأول .

                                      قال أصحابنا : وسبب هذا الخلاف أن الشافعي رحمه الله ، قال في المختصر : وأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلي منه . قال إمام الحرمين : فمن أصحابنا من قال : مراد الشافعي أن الانفراد بالتراويح أفضل من إقامتها جماعة ، ومنهم من قال : أراد أن الراتبة التي لا تصلى جماعة أحب [ ص: 500 ] إلي من التراويح وإن شرعت لها الجماعة ، وهذا التأويل الثاني هو الصحيح عند الأصحاب ونقله المحاملي عن ابن سريج واستدل له بسياق كلام الشافعي ثم قال : هذا هو المذهب ، قال صاحب الشامل : هذا ظاهر نصه ; لأنه لم يقل صلاته منفردا أفضل ، بل قال : صلاة المنفرد أحب إلي منه والله أعلم .

                                      ( فرع ) قال صاحب الحاوي : صلاة كسوف الشمس آكد من صلاة كسوف القمر ويستدل له بالأحاديث الصحيحة من طرق متكاثرات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن الشمس والقمر آيتان } الحديث فقدم الشمس في جميع الروايات مع كثرتها ولأن الانتفاع بالشمس أكثر من القمر .



                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن صلاة الكسوفين أفضل من صلاة الاستسقاء بلا خلاف واستدل أصحابنا بما ذكر المصنف ، ولأن صلاة الكسوف مجمع عليها وقال أبو حنيفة صلاة الاستسقاء بدعة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي تارة بالصلاة وتارة بالدعاء بغير صلاة ، ولم يترك صلاة الكسوف عند وجودها ولأن الكسوف يخاف فوتها بالانجلاء كما يخاف فوت الفريضة بخروج الوقت فتتأكد لشبهها بها بخلاف الاستسقاء . قال أصحابنا : ولأن الكسوف عبادة محضة والاستسقاء لطلب الرزق ، فإن قيل : لا نسلم أن الكسوف عبادة محضة بل فيها طلب ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم { إن الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم } وفي رواية " لا يكسفان لموت أحد ولكن يخوف الله بهما عباده " وفي رواية " فصلوا حتى يفرج الله عنكم " وفي رواية " يخوف الله بهما عباده فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم " وهذه الألفاظ كلها في صحيحي البخاري ومسلم وبعضها فيهما . وبعضها في أحدهما وفيهما ألفاظ كثيرة نحوها . فالجواب أن الكسوف غالبا لا يحصل منه ضرر بخلاف القحط فتمحض الكسوف عبادة والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية