الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وهل تجب الزكاة في العين أو في الذمة ؟ فيه قولان : ، قال في القديم : تجب في الذمة والعين مرتهنة بها ، ووجهه أنها لو كانت واجبة في العين لم يجز أن يعطى حق الفقراء من غيرها ، كحق المضارب والشريك ، وقال في الجديد : تجب في العين وهو الصحيح ; لأنه حق يتعلق بالمال يسقط بهلاكه ، فتعلق بعينه كحق المضارب ( فإن قلنا ) : إنها تجب في العين وعنده نصاب وجبت فيه الزكاة ، فلم يؤد حتى حال عليه حول آخر لم يجب في الحول الثاني زكاة ; لأن الفقراء ملكوا من النصاب قدر الفرض ، فلم يجب في الحول الثاني زكاة ; لأن الباقي دون النصاب ( وإن قلنا ) : تجب في الذمة وجبت في الحول الثاني وفي كل حول ; لأن النصاب باق على ملكه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله : هل تجب الزكاة في الذمة ؟ أو في العين ؟ فيه قولان : الجديد الصحيح : في العين . والقديم : في الذمة هكذا ذكر المسألة أصحابنا العراقيون ، ووافقهم جمهور الخراسانيين على أن الصحيح تعلقها بالعين ، وذكر إمام الحرمين والغزالي وطائفة من الخراسانيين ترتيبا آخر في كيفية نقل المسألة فقالوا : هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ؟ فيه قولان : فإن قلنا : بالعين فقولان : ( أحدهما ) : أن الفقراء يصيرون شركاء لرب المال في قدر الزكاة ; لأن الواجب يتبع المال في الصفة ، فتؤخذ الصحيحة من الصحاح والمريضة من المراض ، ولو امتنع من إخراج الزكاة أخذها الإمام من عين المال قهرا ( والثاني ) : أنها تتعلق بالمال تعلق استيثاق ; لأنه لو كان مشتركا لما جاز الإخراج من موضع آخر كالمشترك بين رجلين وعلى هذا القول في كيفية الاستيثاق قولان : ( أحدهما ) : تتعلق به تعلق الدين بالرهن ( والثاني ) : تعلق الأرش برقبة العبد الجاني ; لأن الزكاة تسقط بتلف المال قبل التمكن فلو قلنا تعلقها تعلق المرهون لما سقطت وحكى إمام الحرمين . وغيره عن ابن سريج أنه قال : لا خلاف في تعلقها بالعين تعلق شركة ( والثاني ) : تعلق الرهن ( والثالث ) : تعلق أرش الجناية ( والرابع ) : تتعلق بالذمة ، قال صاحب التتمة : وإذا قلنا : تتعلق بالذمة ، فهل المال خلو أو هو رهن بهما ؟ فيه وجهان : . [ ص: 346 ] قال أصحابنا : فإن قلنا : تتعلق بالعين تعلق الرهن أو الأرش ، فهل تتعلق ، بالجميع ؟ أم بقدرها فقط ؟ فيه وجهان : حكاهما إمام الحرمين وغيره ( أصحهما ) : بقدرها ، قال الإمام : التخصيص بقدر الزكاة هو الحق الذي قاله الجمهور وما عداه هفوة ، وتظهر فائدة الخلاف في بيع مال الزكاة . هذا كله إذا كان الواجب من جنس المال . فإن كان من غيره كالشاة الواجبة في خمس من الإبل . فطريقان : حكاهما صاحب التتمة وغيره ( أحدهما ) : القطع بتعليقها بالذمة لتوافق الجنس ( والثاني ) : وهو الصحيح ، وبه قطع الجمهور . أنه على الخلاف كما لو اتحد الجنس فعلى قول الاستيثاق لا تختلف . وعلى قول الشركة ثبتت الشركة بقدر قيمة الشاة والله أعلم .

                                      ( فرع ) : وأما قول المصنف في توجيه القديم ; لأن الزكاة لو وجبت في العين لم يجز أن يعطى حق الفقراء من غيرها . كحق المضارب والشريك . فالمضارب بكسر الراء ويجوز فتحها وهو عامل القراض . وهذا الذي قاله من جواز إخراج الزكاة من غير عين المال متفق عليه " وأجاب " الأصحاب للقول الجديد الصحيح عن هذا بأن الزكاة مبنية على المسامحة والإرفاق فيحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها " وقوله " في توجيه الجديد حق تعلق بالمال فسقط بهلاكه احتراز من الرهن .



                                      ( فرع ) : إذا ملك أربعين شاة فحال عليها حول ، ولم يخرج زكاتها حتى حال عليها حول آخر ، فإن حدث منها في كل حول سخلة فصاعدا فعليه لكل حول شاة بلا خلاف ، وإن لم يحدث ، فعليه شاة عن الحول الأول ، وأما الثاني فإن قلنا تجب الزكاة في الذمة ، وكان يملك سوى الغنم ما يفي بشاة وجب شاة للحول الثاني . فإن لم يملك غير النصاب انبنى على الدين : هل يمنع وجوب الزكاة أم لا ؟ " إن قلنا " يمنع لم يجب للحول الثاني شيء " وإن قلنا " لا يمنع وجبت الشاة للحول الثاني ( وإن قلنا ) : تتعلق بالعين تعلق الشركة لم يجب للحول الثاني شيء ; ; لأن الفقراء ملكوا شاة ، فنقص النصاب . ولا تجب زكاة الخلطة ; لأن جهة الفقراء لا زكاة فيها . فمخالطتهم لا تؤثر كمخالطة المكاتب والذمي ( وإن قلنا ) : تتعلق بالعين تعلق الأرش أو الرهن قال إمام الحرمين وغيره من المحققين : هو كالتفريع على [ ص: 347 ] قول الذمة وقال الصيدلاني : هو كقول الشركة ( والصحيح ) : قول الإمام وموافقيه . قال الرافعي : لكن يجوز أن يقدر خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الساعي على المال بقدر الزكاة ( وإن قلنا ) : الدين لا يمنع الزكاة . قال : وعلى هذا التقدير يجري الخلاف على قول الذمة أيضا .



                                      ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا حولين ولا نتاج فإن علقنا الزكاة بالذمة وقلنا : الدين لا يمنعها أو كان له مال آخر يفي بها ، فعليه بنتا مخاض " وإن قلنا " بالشركة ، فعليه للحول الأول بنت مخاض وللثاني أربع شياه وتفريع قول الرهن والأرش على قياس ما سبق . ولو ملك خمسا من الإبل حولين بلا نتاج فالحكم كما في الصورتين السابقتين لكن سبق حكاية وجه أن قول الشركة لا يجيء إذا كان الواجب من غير الجنس ، فعلى هذا يكون الحكم في هذا على الأقوال كلها كالحكم في الأولتين تفريعا على قول الذمة ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) : في بيع مال الزكاة ، فرعه المصنف على تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ، وكان حقه أن يذكره هنا ، لكن المصنف ذكره في باب زكاة الثمار ، فأخرته إلى هناك .




                                      الخدمات العلمية