الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 36 ] قال المصنف رحمه الله تعالى باب زكاة المعدن والركاز : ( إذا استخرج حر مسلم من معدن في موات أو في أرض يملكها نصابا من الذهب أو الفضة ، وجبت عليه الزكاة ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني المعادن القبلية ، وأخذ منه الزكاة } ، فإن استخرجها مكاتب أو ذمي لم يجب عليه شيء ; لأنها زكاة ، والزكاة لا تجب على مكاتب ولا ذمي ، وإن وجده في أرض مملوكة لغيره فهو لصاحب الأرض ، ويجب دفعه إليه فإذا أخذه مالكه وجبت عليه زكاته ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث رواه مالك في " الموطأ " عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من العلماء : " { أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية ، وهي من ناحية الفرع ، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم } " هذا لفظ رواية مالك ، وروى الشافعي عن مالك هكذا ، ثم قال الشافعي : ليس هذا مما يثبته أهل الحديث ، ولو أثبتوه لم يكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إقطاعه ، فإن الزكاة في المعدن دون الخمس ، وليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال البيهقي : هو كما قال الشافعي في رواية مالك ، قال : وقد روي عن ربيعة موصولا ، فرواه البيهقي عن ربيعة عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة ، وأنه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع ، والمعادن القبلية } - بفتح القاف والباء الموحدة - ، وهذا لا خلاف فيه ، وقد تصحف ، والفرع - بضم الفاء وإسكان الراء وبالعين [ المهملة ] - بلاد بين مكة والمدينة ، وأما المعدن فمشتق من العدون وهو الإقامة ، ومنه [ ص: 37 ] قوله تعالى : { جنات عدن } وسمي معدنا ; لأن الجوهر يعدن فيه أي يقيم وقولهم : زكاة المعدن أي زكاة المستخرج من المعدن .

                                      ( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعدن ، وشرط للذي يجب عليه أن يكون حرا مسلما ، فالمكاتب والذمي لا زكاة عليهما ; لما سبق في أول كتاب الزكاة ، وسبق هناك فيمن بعضه حر وبعضه عبد خلاف وهو جار هنا ، ولو كان المستخرج عبدا وجبت الزكاة على سيده ; لأن الملك له ولو أمره السيد بذلك ليكون النيل له ، قال القاضي أبو الطيب في " المجرد " والدارمي والبندنيجي وصاحب " الشامل " : هو على القولين في ملك العبد بتمليك السيد ، فإذا قلنا : لا يملك فالملك للسيد وعليه زكاته ، وإن قلنا : يملك فلا زكاة على السيد لعدم ملكه ، ولا على العبد لضعف ملكه ، والله أعلم .

                                      قال المصنف والأصحاب : إذا كان مواتا أو ملكا للمستخرج فعليه زكاته ، وإن وجده في أرض مملوكة فهو لصاحب الأرض ، ويجب دفعه إليه ، فإذا أخذه مالكه لزمه زكاته .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : لا يمكن لذمي حفر معدن في دار الإسلام ولا الأخذ منها كما لا يمكن من الإحياء فيها ، ولكن ما أخذه قبل إزعاجه يملكه ، كما لو احتطب ، وفيه وجه : أنه لا يملكه ، حكاه الماوردي ، وسنعيده في فصل الزكاة إن شاء الله تعالى ، والصواب : أنه يملك وليس عليه حق المعدن على المذهب ، وبه قطع المصنف وسائر العراقيين ، وقال جماعة من الخراسانيين : يبنى على أن مصرف حق المعدن ماذا ؟ فإن أوجبنا فيه ربع العشر فمصرفه مصرف الزكوات ، وإن أوجبنا الخمس فطريقان . المذهب : مصرف الزكوات ( والثاني ) فيه قولان .

                                      ( أصحهما ) : هذا .

                                      ( والثاني ) : مصرف خمس الفيء ، وبهذا قال المزني وأبو حفص بن الوكيل من أصحابنا ، حكاه عنهما صاحب " البيان " ، فإن قلنا بهذا [ ص: 38 ] أخذ من الذمي الخمس ، وإن قلنا بالمذهب : إنه مصرف الزكوات ، لم يؤخذ منه شيء . قال الماوردي : فإن قيل : إذا كان الذمي ممنوعا من المعدن كما يمنع من الإحياء فينبغي أن لا يملك ما يأخذه منه ، كما لا يملك ما أحياه ، والجواب : أن ضرر الإحياء مؤبد ، فلم يملك به بخلاف المعدن . قال أصحابنا : ثم على المذهب يشترط النية فيه كسائر الزكاوات ، وإذا قلنا : مصرف الفيء فلا يشترط النية ، ولا خلاف أن المكاتب لا يمنع من المعدن ، ولا زكاة عليه ، قال المروزي : فإن قيل : فما الفرق بين أن يجد المكاتب معدنا أو ركازا ، فلا زكاة عليه فيه ؟ وبين أن يغنم غنيمة من الكفار فيجب فيها الخمس ؟ فالجواب : أنه في الغنيمة يملك أربعة أخماسها أولا ، ويملك أهل الخمس حينئذ الخمس ، وفي المعدن والركاز يملك كله بالوجود ، ولكن يجب بعد ذلك على الحر إخراج واجبه زكاة ، والمكاتب لا زكاة عليه فيما ملكه كسائر أملاكه ، وهذا مذهبنا وقال أبو حنيفة : يلزم المكاتب زكاة المعدن .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : ولو اشترى الحر المسلم أرضا فظهر فيها معدن ، فهو ملك المشتري ، فإن شاء عمله ، وإن شاء تركه ولا يتعرض له في واحد منهما .




                                      الخدمات العلمية