الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 411 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ولا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف في الوضوء إلا في خمسة مواضع : الحاجب والشارب والعنفقة والعذار واللحية الكثة للمرأة لأن الشعر في هذه المواضع يخف في العادة وإن كثف ، لم يكن إلا نادرا فلم يكن له حكم ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : ثمانية من شعور الوجه يجب غسلها وغسل البشرة تحتها سواء خفت أو كثفت ، وهي الحاجب والشارب والعنفقة والعذار ولحية المرأة ولحية الخنثى وأهداب العين وشعر الخد ، فأما الخمسة الأولى فقد ذكرها . المصنف والأصحاب ، وأما الأهداب فنص عليها الشافعي والأصحاب منهم الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي ، وسليم الرازي والقاضي حسين والفوراني وإمام الحرمين وابن الصباغ والغزالي والبغوي والمتولي وخلائق لا يحصون ، وأما شعر الخد فصرح به البغوي وغيره ، وأما لحية الخنثى فصرح بها الدارمي والمتولي والبغوي والرافعي وآخرون ، وعلله المتولي بأنه نادر وبأن الأصل في أحكام الخنثى العمل باليقين ، ويعلل بثالث وهو أن غسل البشرة كان واجبا قبل نبات اللحية وشككنا هل سقط ؟ والأصل بقاؤه ، وهذا تفريع على المذهب أن لحية الخنثى لا تكون علامة لذكورته . واعلم أنه ينكر على المصنف كونه لم يستثن إلا الخمسة وأهمل الثلاثة الأخيرة ، ويجاب عنه بأنه رآها ظاهرة تفهم مما ذكره لأن الكثافة في الأهداب والخد أندر منها في الخمسة ، ولحية الخنثى تعلم من كونه له حكم المرأة فيما فيه احتياط . واعلم أن الشعور الثمانية يجب غسلها وغسل ما تحتها مع الكثافة بلا خلاف إلا وجها حكاه الرافعي فيها كلها أنها كاللحية ، وإلا وجها مشهورا عند الخراسانيين في العنفقة وحدها أنها كاللحية ووجها أنها إن اتصلت باللحية فهي كاللحية ، وإن انفصلت وجب غسل بشرتها مع الكثافة ، حكاه القاضي حسين والفوراني والمتولي وصاحبا العدة والبيان ، فحصل في العنفقة ثلاثة أوجه الصحيح وجوب غسل بشرتها مع الكثافة .

                                      [ ص: 412 ] فرع ) في تفسير هذه الشعور أما الحاجب فمعروف سمي حاجبا لمنعه العين من الأذى والحجب المنع . والشارب هو الشعر النابت على الشفة العليا ، ثم الجمهور قالوا : الشارب بالإفراد وقال القاضي أبو الطيب : قال الشافعي في الأم : يجب إيصال الماء إلى أصول الشعر في مواضع الحاجبين والشاربين والعذارين والعنفقة ، قال القاضي : قيل أراد الشافعي بالشاربين الشعر الذي على ظاهر الشفتين ، وقيل : أراد الشعر على الشفة العليا ، جعل ما يلي الشق الأيمن شاربا وما يلي الأيسر شاربا ، قال القاضي : هذا هو الصحيح ، وهذا الذي ذكره القاضي عن الأم ذكره الشافعي في موضع من الباب ، وقال في مواضع من الباب : " شارب " بالإفراد ، وممن ذكر الشاربين بالتثنية ابن القاص في التلخيص والغزالي في كتبه . وأما العنفقة فهي الشعر النابت على الشفة السفلى ، كذا قاله القاضي حسين وصاحبا التتمة والبيان ، وأما العذار فالنابت على العظم الناتئ بقرب الأذن قاله الشيخ أبو حامد والأصحاب وذكر الأصحاب في وجوب غسل بشرة هذه الشعور علتين : ( إحداهما ) أن كثافتها نادرة كما ذكره المصنف .

                                      ( والثانية ) أن المغسول يحيط بجوانبها فجعل لها حكم الجوانب . وقد أشار الشافعي في الأم إلى العلتين ، والأولى أصحهما وقطع بها جماعة كما قطع بها المصنف .



                                      ( فرع ) أما شعر العارضين فهو ما تحت العذار ، كذا ضبطه المحاملي وإمام الحرمين وابن الصباغ والرافعي وغيرهم ، وفيه وجهان الصحيح الذي قطع به الجمهور أن له حكم اللحية فيفرق بين الخفيف والكثيف كما سبق ، ممن قطع به أبو علي البندنيجي والفوراني وإمام الحرمين وابن الصباغ والمتولي والبغوي وصاحبا العدة والبيان والرافعي وآخرون ، ونص عليه الشافعي في الأم وصححه القاضي حسين ، وهو مفهوم من قول المصنف لا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف إلا في خمسة مواضع ، وليس هذا منها ، وشذ السرخسي فقال في الأمالي : ظاهر المذهب أن العارض [ ص: 413 ] كالعذار فيجب غسل ما تحته مع الكثافة ، وهذا شاذ متروك لمخالفته النفل والدليل ، فإن الكثافة فيه ليست بنادرة فأشبه اللحية .



                                      ( فرع ) الشعر الكثيف على اليد والرجل يجب غسله وغسل البشرة تحته بلا خلاف لندوره ، وكذا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف في غسل الجنابة بلا خلاف لعدم المشقة فيه لقلة وقوعه ، ولهذا احترز عنه المصنف ، بقوله : لا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف في الوضوء .

                                      ( فرع ) قول المصنف : وإن كثف لم يكن إلا نادرا فلم يكن له حكم . هذه العبارة مشهورة في استعمال العلماء ومعناها عندهم لم يكن للنادر حكم يخالف الغالب ، بل حكمه حكمه ، فمعناه هنا أن الكثافة لا تأثير لها فهي كالمعدومة .



                                      ( فرع ) قال القاضي حسين : لو نبتت للمرأة لحية استحب لها نتفها وحلقها لأنها مثلة في حقها بخلاف الرجل ، وهذا قد قدمته في آخر باب السواك والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية