الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 78 ] فصل هذه أصناف المفتين وهي خمسة ، وكل صنف منها يشترط فيه حفظ المذهب وفقه النفس ، فمن تصدى للفتيا وليس بهذه الصفة فقد باء بأمر عظيم ، ولقد قطع إمام الحرمين وغيره بأن الأصولي الماهر المتصرف في الفقه لا يحل له الفتوى بمجرد ذلك ، ولو وقعت له واقعة لزمه أن يسأل عنها ، ويلتحق به المتصرف النظار البحاث ، من أئمة الخلاف وفحول المناظرين ; لأنه ليس أهلا لإدراك حكم الواقعة استقلالا ، لقصور آلته ، ولا من مذهب إمام ، لعدم حفظه له على الوجه المعتبر . فإن قيل : من حفظ كتابا أو أكثر في المذهب وهو قاصر ، لم يتصف بصفة أحد ممن سبق ، ولم يجد العامي في بلده غيره ، هل له الرجوع إلى قوله ؟ فالجواب : إن كان في غير بلده مفت يجد السبيل إليه وجب التوصل إليه بحسب إمكانه ، فإن تعذر ذكر مسألته للقاصر ، فإن وجدها بعينها في كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمه بنصه ، وكان العامي فيها مقلدا صاحب المذهب ، قال أبو عمرو : وهذا وجدته في ضمن كلام بعضهم ، والدليل يعضده ، وإن لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطور عنده ، وإن اعتقده من قياس لا فارق ، فإنه قد يتوهم ذلك في غير موضعه . فإن قيل : هل لمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه ؟ قلنا : قطع أبو عبد الله الحليمي وأبو محمد الجويني وأبو المحاسن الروياني وغيرهم بتحريمه ، وقال القفال المروزي : يجوز ، قال أبو عمرو : قول من منعه معناه لا يذكره على صورة من يقوله من عند نفسه ، بل يضيفه إلى إمامه الذي قلده ، فعلى هذا من عددناه من المفتين المقلدين ليسوا مفتين حقيقة ، لكن لما قاموا مقامهم وأدوا عنهم عدوا معهم ، وسبيلهم أن يقولوا مثلا : مذهب الشافعي كذا أو نحو هذا ، ومن ترك منهم الإضافة فهو اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح به ، ولا بأس بذلك .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية