الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 560 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن مسح الجرموق فوق الخف وقلنا : يجوز المسح عليه ثم نزع الجرموق في أثناء المدة ففيه ثلاث طرق : ( أحدها ) أن الجرموق كالخف المنفرد ، فإذا نزعه كان على قولين : ( أحدهما ) يستأنف الوضوء فيغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ويمسح على الخفين .

                                      ( والثاني ) لا يستأنف الوضوء . فعلى هذا يكفيه المسح على الخفين .

                                      ( والطريق الثاني ) أن نزع الجرموق لا يؤثر لأن الجرموق مع الخف تحته بمنزلة الظهارة مع البطانة ولو انقلعت الظهارة بعد المسح لم يؤثر في طهارته .

                                      ( الطريق الثالث ) أن الجرموق فوق الخف كالخف فوق اللفافة ، فعلى هذا إذا نزع الجرموق نزع الخف كما ينزع اللفافة ، وهل يستأنف الوضوء أم يقتصر على غسل القدمين ؟ فيه قولان ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذه الطريقة مشهورة في المذهب لكن بعض الأصحاب يسميها طرقا ، وبعضهم يسميها أوجها ، وهذه طريقة الجمهور ، وهذه الأوجه ذكرها ابن سريج ، واتفق الخراسانيون على نقلها عنه ونقلها عنه من العراقيين المحاملي في المجموع وابن الصباغ وآخرون ، وقد تقدم بيانها مع شرح ما يتعلق بها موضحا في مسائل مسح الجرموقين ، وأورد القاضي أبو الطيب على الطريق الأول فقال : هذا باطل بل يجب استئناف الوضوء بلا خلاف لأن جواز المسح على الجرموق إنما هو على القديم وفي القديم لا يجوز تفريق الوضوء ، فأجاب عنه صاحب الشامل بأنه لا يمتنع أن يرجع عن وجوب استئناف الطهارة بنزع الخفين ولا يرجع عن مسح الجرموق فيصح أن يخرج فيه القولان . قلت : هذا الجواب ضعيف ولكن يجاب بجوابين حسنين : أجودهما أن جواز مسح الجرموق ليس مختصا بالقديم بل هو منصوص عليه في الإملاء كما ذكره المصنف وجميع الأصحاب ، والإملاء من الكتب الجديدة التي يجوز فيها تفريق الوضوء . والثاني : أن ذلك متصور على القديم أيضا فيما إذا نزع الجرموق عقب المسح . والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بالباب . إحداها قال أصحابنا : يجوز مسح الخف لمن لا يحتاج إلى مشي كزمن وامرأة تلازم بيتها وملازم للركوب وغيره .



                                      [ ص: 561 ] الثانية ) قال أصحابنا : سليم الرجلين لو لبس خفا في إحداهما لا يصح مسحه ، وقد صرح المصنف بهذا في مسألة الخف المخرق ، فلو لم يكن له إلا رجل واحدة جاز المسح على خفها بلا خلاف . ولو بقيت من محل الفرض في الرجل الأخرى بقية لم يصح المسح حتى يسترها بما يجوز المسح عليه ثم يمسح عليهما جميعا ، فلو كانت إحدى رجليه عليلة بحيث لا يجب غسلها فلبس الخف في الصحيحة قطع الدارمي بصحة المسح ، وقطع صاحب البيان بمنعه وهو الأصح ; لأنه يجب التيمم عن الرجل العليلة فهي كالصحيحة .



                                      ( الثالثة ) مسح الخف هل يرفع الحدث عن الرجل ؟ فيه خلاف مشهور حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي والروياني وآخرون قولين ، وحكاه : جماعة من الخراسانيين وجهين ، وقال إمام الحرمين وآخرون هما قولان مستنبطان من معاني كلام الشافعي رضي الله عنه ويؤيد كونهما قولين أنهم بنوا مسألة من نزع الخفين هل يستأنف أم يكفيه غسل القدمين على أن المسح يرفع الحدث أم لا ؟ ولولا أنهما قولان لم يصح البناء ، إذ كيف يبنى قولان على وجهين ؟ . ثم اتفق الجمهور على أن الأصح أنه يرفع الحدث ، وخالفهم الجرجاني فقال في التحرير : والأصح أنه لا يرفع ، وحجة من قال بهذا أنه طهارة تبطل بطهور الأصل فلم ترفع الحدث كالتيمم ، ولأنه مسح قائم مقام الغسل فلم يرفع كالتيمم وفيه احتراز من مسح الرأس فإنه ليس ببدل ، وحجة الأصح في أنه يرفع الحدث أنه مسح بالماء فرفع كمسح الرأس ، ولأنه يجوز أن يصلي به فرائض ، ولو كان لا يرفع لما جمع به فرائض كالتيمم وطهارة المستحاضة . والله أعلم .



                                      ( الرابعة ) إذا لبس الخف وهو يدافع الحدث لم يكره وبه قال إبراهيم النخعي ونقل عنه أنه كان إذا أراد أن يبول وهو على طهارة لبس خفيه ثم بال ، وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه يكره كما تكره الصلاة في هذه الحال ، ودليل عدم الكراهة أن إباحة المسح على الخف مطلقة ولم يثبت نهي ، ويخالف الصلاة فإن مدافعة الحدث فيها يذهب الخشوع الذي هو مقصود الصلاة وليس كذلك لبس الخف . قال إمام الحرمين : لو كان على طهارة [ ص: 562 ] وأرهقه حدث ووجد من الماء ما يكفيه لوجهه ويديه ورأسه دون رجليه ووجد خفا يمكنه لبسه ومسحه فهل يلزمه ذلك ؟ فيه احتمالان أظهرهما لا يلزمه ، وقد عبر الغزالي في الوسيط عن هذين الاحتمالين بالتردد ، فقد يتوهم منه وجهان وستأتي المسألة في باب التيمم مبسوطة حيث ذكرها إن شاء الله تعالى



                                      ( الخامسة ) أنكر على الغزالي رحمه الله قوله مسح الخف يبيح الصلاة إلى إحدى غايتين : مضي يوم وليلة حضرا وثلاثة سفرا ، وترك غايتين أخريين وهما إذا وجب عليه غسل جنابة وحيض ونحوهما أو دميت رجله ولم يمكن غسلها في الخف ، وقد سبق ذلك مبينا ، وأنكر عليه وعلى المزني أشياء سبقت مفرقة في مواضعها من الباب . والله أعلم وله الحمد والمنة .




                                      الخدمات العلمية