الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1820 ) مسألة : قال : ( ومن رهن ماشية ، فحال عليها الحول ، أدى منها إذا لم يكن له ما يؤدي عنها ، والباقي رهن ) وجملة ذلك أنه إذا رهن ماشية ، فحال الحول وهي في يد المرتهن ، وجبت زكاتها على الراهن ; لأن ملكه فيها تام ، فإن أمكنه أداؤها من غيرها ، وجبت ; لأن الزكاة من مؤنة الرهن ، ومؤنة الرهن تلزم الراهن ، كنفقة النصاب ، ولا يخرجها من النصاب ، لأن حق المرتهن متعلق به تعلقا يمنع تصرف الراهن فيه ، والزكاة لا يتعين إخراجها منه ، فلم يملك إخراجها منه كزكاة مال سواه .

                                                                                                                                            وإن لم يكن له ما يؤدي منه سوى هذا الرهن ، فلا يخلو من أن يكون له مال يمكن قضاء الدين منه ، ويبقى بعد قضائه نصاب كامل ، مثل أن تكون الماشية زائدة على النصاب قدرا يمكن قضاء الدين منه ، ويبقى النصاب ، فإنه يخرج الزكاة من الماشية ، ويقدم حق الزكاة على حق المرتهن ، لأن المرتهن يرجع إلى بدل ، وهو استيفاء الدين ، وحقوق الفقراء في الزكاة لا بدل لها . وإن لم يكن له مال يقضي به الدين ، ويبقى بعد قضائه نصاب ، ففيه روايتان : إحداهما ، تجب الزكاة أيضا . ولا يمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة ، وهي المواشي والحبوب .

                                                                                                                                            قاله في رواية الأثرم . قال : لأن المصدق لو جاء فوجد إبلا وغنما ، لم يسأل صاحبها أي شيء عليك من الدين ، ولكنه يزكيها ، والمال ليس كذلك ، وهذا ظاهر كلام الخرقي هاهنا ; لأن كلامه عام في كل ماشية ، وذلك لأن وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة آكد ; لظهورها ، وتعلق قلوب الفقراء بها ، لرؤيتهم . إياها ، ولأن الحاجة إلى حفظها أشد ، ولأن الساعي يتولى أخذ الزكاة منها ولا يسأل عن دين صاحبها . والرواية الثانية ; لا تجب الزكاة فيها . ويمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال كلها من الظاهرة والباطنة .

                                                                                                                                            قال ابن أبي موسى : الصحيح من مذهبه أن الدين يمنع وجوب الزكاة على كل حال . وهذا مذهب أبي حنيفة . وروي ذلك عن ابن عباس ، ومكحول ، والثوري . وحكى ذلك ابن المنذر عنهم في الزرع إذا استدان عليه صاحبه ; لأنه أحد نوعي الزكاة ، فيمنع الدين وجوبها ، كالنوع الآخر ، ولأن المدين محتاج ، والصدقة إنما تجب على الأغنياء ، بقوله عليه السلام : { أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائهم ، فأردها في فقرائهم } . { وقوله عليه السلام : لا صدقة إلا عن ظهر غنى } .

                                                                                                                                            وروى أبو عبيد ، في كتاب " الأموال " ، عن السائب بن يزيد ، قال : سمعت عثمان بن عفان يقول : هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده ، حتى تخرجوا زكاة أموالكم ، ومن لم يكن عنده زكاة لم تطلب منه ، حتى يأتي تطوعا . قال إبراهيم النخعي : أراه يعني شهر رمضان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية