الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2073 ) فصل : فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهرا وباطنا ، كالحائض والنفساء والمسافر ، والصبي ، والمجنون ، والكافر ، والمريض ، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ، فطهرت الحائض والنفساء ، وأقام المسافر ، وبلغ [ ص: 34 ] الصبي ، وأفاق المجنون ، وأسلم الكافر ، وصح المريض المفطر ، ففيهم روايتان ; إحداهما ، يلزمهم الإمساك في بقية اليوم . وهو قول أبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن صالح ، والعنبري ; لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام ، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك ، كقيام البينة بالرؤية . والثانية ، لا يلزمهم الإمساك . وهو قول مالك ، والشافعي .

                                                                                                                                            وروي ذلك عن جابر بن زيد ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : من أكل أول النهار فليأكل آخره . ولأنه أبيح له فطر أول النهار ظاهرا وباطنا ، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار ، كما لو دام العذر . فإذا جامع أحد هؤلاء ، بعد زوال عذره ، انبنى على الروايتين في وجوب الإمساك ; فإن قلنا : يلزمه الإمساك . فحكمه حكم من قامت البينة بالرؤية في حقه إذا جامع . وإن قلنا : لا يلزمه الإمساك . فلا شيء عليه . فإن كان أحد الزوجين من أحد هؤلاء ، والآخر لا عذر له ، فلكل واحد حكم نفسه ، على ما مضى . وإن كانا جميعا معذورين فحكمهما ما ذكرناه ، سواء اتفق عذرهما ، مثل أن يقدما من سفر ، أو يصحا من مرض ، أو اختلف ، مثل أن يقدم الزوج من سفر ، وتطهر المرأة من الحيض ، فيصيبها .

                                                                                                                                            وقد روي عن جابر بن يزيد أنه قدم من سفر ، فوجد امرأته قد طهرت من حيض ، فأصابها . فأما إن نوى الصوم في سفره أو مرضه أو صغره ، ثم زال عذره في أثناء النهار ، لم يجز له الفطر ، رواية واحدة ، وعليه الكفارة إن وطئ . وقال بعض أصحاب الشافعي ، في المسافر خاصة : وجهان ; أحدهما ، له الفطر لأنه أبيح له الفطر في أول النهار ظاهرا وباطنا ، فكانت له استدامته ، كما لو قدم مفطرا . وليس بصحيح ; فإن سبب الرخصة زال قبل الترخص ، فلم يكن له ذلك ، كما لو قدمت به السفينة قبل قصر الصلاة ، وكالمريض يبرأ ، والصبي يبلغ . وهذا ينقض ما ذكروه . ولو علم الصبي أنه يبلغ في أثناء النهار بالسن ، أو علم المسافر أنه يقدم ، لم يلزمهما الصيام قبل زوال عذرهما ; لأن سبب الرخصة موجود ، فيثبت حكمها ، كما لو لم يعلما ذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية