الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3238 ) فصل فأما . الإقالة في المسلم فيه ، فجائزة ، لأنها فسخ . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة ; لأن الإقالة فسخ للعقد ، ورفع له من أصله ، وليست بيعا . قال القاضي : ولو قال : لي عندك هذا الطعام ، صالحني منه على ثمنه . جاز ، وكانت إقالة صحيحة .

                                                                                                                                            فأما الإقالة في بعض المسلم فيه ، فاختلف عن أحمد فيها ; فروي عنه أنها لا تجوز . ورويت كراهتها عن ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وابن سيرين ، والنخعي ، وسعيد بن جبير ، وربيعة ، وابن أبي ليلى ، وإسحاق . وروى حنبل ، عن أحمد . أنه قال : لا بأس بها . وروي ذلك عن ابن عباس ، وعطاء ، وطاووس ، ومحمد بن علي [ ص: 202 ] وحميد بن عبد الرحمن ، وعمرو بن دينار ، والحكم ، والثوري ، والشافعي ، والنعمان وأصحابه ، وابن المنذر . ولأن الإقالة مندوب إليها ، وكل معروف جاز في الجميع جاز في البعض ، كالإبراء والإنظار .

                                                                                                                                            ووجه الرواية الأولى ، أن السلف في الغالب يزاد فيه في الثمن من أجل التأجيل ، فإذا أقاله في البعض ، بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي حصلت الإقالة فيه ، فلم يجز ، كما لو اشترط ذلك في ابتداء العقد . ويخرج عليه الإبراء والإنظار ; فإنه لا يتعلق به شيء من ذلك .

                                                                                                                                            ( 3239 ) فصل : إذا أقاله ، رد الثمن إن كان باقيا ، أو مثله إن كان مثليا ، أو قيمته إن لم يكن مثليا . فإن أراد أن يعطيه عوضا عنه ، فقال الشريف أبو جعفر : ليس له صرف ذلك الثمن في عقد آخر حتى يقبضه . وبه قال أبو حنيفة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره } . ولأن هذا مضمون على المسلم إليه بعقد السلم ، فلم يجز التصرف فيه قبل قبضه ، كما لو كان في يد المشتري .

                                                                                                                                            وقال القاضي أبو يعلى : يجوز أخذ العوض عنه . وهو قول الشافعي ; لأنه عوض مستقر في الذمة ، فجاز أخذ العوض عنه ، كما لو كان قرضا . ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد ، فجاز أخذ العوض عنه ، كالثمن في المبيع إذا فسخ ، والمسلم فيه مضمون بالعقد ، وهذا مضمون بعد فسخه ، والخبر أراد به المسلم فيه ، فلم يتناول هذا . فإن قلنا بهذا ، فحكمه حكم ما لو كان قرضا أو ثمنا في بيوع الأعيان ، لا يجوز جعله سلما في شيء آخر ; لأنه يكون بيع دين بدين ، ويجوز فيه ما يجوز في القرض وأثمان البياعات إذا فسخت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية