الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4013 ) فصل : الشرط الثاني ، أن يكون المبيع أرضا ; لأنها التي تبقى على الدوام ، ويدوه ضررها ، وأما غيرها فينقسم قسمين ; أحدهما ، تثبت فيه الشفعة تبعا للأرض ، وهو البناء والغراس يباع مع الأرض ، فإنه يؤخذ بالشفعة تبعا للأرض ، بغير خلاف في المذهب ، ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافا . وقد دل عليه { قول النبي صلى الله عليه وسلم وقضاؤه بالشفعة في كل شرك لم يقسم ، ربعة أو حائط } .

                                                                                                                                            وهذا يدخل فيه البناء والأشجار . القسم الثاني ، ما لا تثبت فيه الشفعة تبعا ولا مفردا ، وهو الزرع والثمرة الظاهرة تباع مع الأرض ; فإنه لا يؤخذ بالشفعة مع الأصل . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة ، ومالك : يؤخذ ذلك بالشفعة مع أصوله ; لأنه متصل بما فيه الشفعة ، فيثبت فيه الشفعة تبعا ، كالبناء والغراس .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه لا يدخل في البيع تبعا . فلا يؤخذ بالشفعة ، كقماش الدار ، وعكسه البناء والغراس ، وتحقيقه أن الشفعة بيع في الحقيقة ، لكن الشارع جعل له سلطان الأخذ بغير رضى المشتري ، فإن بيع الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة ، كالطلع غير المؤبر ، دخل في الشفعة ; لأنها تتبع في البيع ، فأشبهت الغراس في الأرض .

                                                                                                                                            وأما ما بيع مفردا من الأرض ، فلا شفعة فيه ، سواء كان مما ينقل ، كالحيوان والثياب والسفن والحجارة والزرع والثمار ، أو لا ينقل ، كالبناء والغراس إذا بيع مفردا ، وبهذا قال الشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وروي عن الحسن ، والثوري ، والأوزاعي ، والعنبري ، وقتادة ، وربيعة ، وإسحاق : لا شفعة في المنقولات . واختلف عن مالك وعطاء ، فقالا مرة كذلك ، ومرة قالا : الشفعة في كل شيء ، حتى في الثوب . قال ابن أبي موسى : وقد روي عن أبي عبد الله رواية أخرى ، أن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم كالحجارة والسيف والحيوان ، وما في معنى ذلك . قال أبو الخطاب : وعن أحمد رواية أخرى ، أن الشفعة تجب في البناء والغراس ، وإن بيع مفردا .

                                                                                                                                            وهو قول مالك ; لعموم قوله عليه السلام : { الشفعة فيما لم يقسم } . ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر ، وحصول الضرر بالشركة فيما لا ينقسم أبلغ منه فيما ينقسم ، ولأن ابن أبي مليكة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الشفعة في كل شيء } .

                                                                                                                                            ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { الشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق ، فلا شفعة } . لا يتناول إلا ما ذكرناه ، وإنما أراد ما لا ينقسم من الأرض ، بدليل قوله : " فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق " . ولأن هذا مما لا يتباقى على الدوام ، فلا تجب فيه الشفعة ، كصبرة الطعام وحديث ابن أبي مليكة مرسل ، لم يرد في الكتب الموثوق بها ، والحكم في الغراف والدولاب والناعورة ، كالحكم في البناء .

                                                                                                                                            فأما إن بيعت الشجرة مع قرارها من الأرض ، مفردة عما يتخللها من الأرض ، فحكمها حكم ما لا ينقسم من العقار ، ولأن هذا مما لا ينقسم ، على ما سنذكره . ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال ; لأن القرار تابع لها ، فإذا لم تجب الشفعة فيها مفردة ، لم تجب في تبعها . وإن بيعت حصة من علو دار مشترك نظرت ; فإن كان السقف الذي تحته لصاحب السفل ، فلا شفعة في العلو ; لأنه بناء مفرد ، وإن كان لصاحب العلو ، فكذلك ; لأنه بناء منفرد لكونه لا أرض له ، فهو كما لو لم يكن السقف له .

                                                                                                                                            ويحتمل ثبوت الشفعة ; لأن له قرارا ، فهو كالسفل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية