الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5879 ) مسألة ; قال : ( وإذا قال لها : أمرك بيدك . فهو بيدها ، وإن تطاول ، ما لم يفسخ أو يطأها ) وجملة ذلك أن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه ، وبين أن يوكل فيه ، وبين أن يفوضه إلى المرأة ، ويجعله إلى اختيارها ; بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه ، فاخترنه . ومتى جعل أمر امرأته بيدها ، فهو بيدها أبدا ، لا يتقيد ذلك بالمجلس . روي ذلك عن علي رضي الله عنه . وبه قال الحكم ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وقال مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي : هو مقصور على المجلس ، ولا طلاق لها بعد مفارقته ; لأنه تخيير لها ، فكان مقصورا على المجلس ، كقوله : اختاري . ولنا ، قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها ، قال : هو لها حتى تنكل . ولا نعرف له في الصحابة مخالفا ، فيكون إجماعا . ولأنه نوع توكيل في الطلاق ، فكان على التراخي ، كما لو جعله لأجنبي ، وفارق قوله : اختاري . فإنه تخيير . فإن رجع الزوج فيما جعل إليها ، أو قال : فسخت ما جعلت إليك . بطل .

                                                                                                                                            وبذلك قال عطاء ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، والأوزاعي ، وإسحاق . وقال الزهري ، والثوري ، ومالك ، وأصحاب الرأي : ليس له الرجوع ; لأنه ملكها ذلك ، فلم يملك الرجوع ، كما لو طلقت . ولنا ، أنه توكيل ، فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع ، وكما لو خاطب بذلك أجنبيا . وقولهم : تمليك . لا يصح ; فإن الطلاق لا يصح تمليكه ، ولا ينتقل عن الزوج ، وإنما ينوب فيه غيره عنه ، فإذا استناب غيره فيه كان توكيلا لا غير ، ثم وإن سلم أنه تمليك ، فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل اتصال القبول به ، كالبيع . وإن وطئها الزوج كان رجوعا ; لأنه نوع توكيل ، والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة . وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل ، كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل .

                                                                                                                                            ( 5880 ) فصل : ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ، ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال ، أو تطلق نفسها . ومتى ردت الأمر الذي جعل إليها ، بطل ، ولم يقع شيء ، في قول أكثر أهل العلم ; منهم ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، ومسروق ، وعطاء ، ومجاهد ، والزهري والثوري والأوزاعي والشافعي . وقال قتادة : إن ردت ، فواحدة رجعية . ولنا ، أنه توكيل ، أو تمليك لم يقبله المملك ، فلم يقع به شيء ، كسائر التوكيل والتمليك ، فأما إن نوى بهذا تطليقها في الحال ، طلقت في الحال ، ولم يحتج إلى قبولها ، كما لو قال : حبلك على غاربك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية