الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6925 ) فصل : وفي الكلام الدية ، فإذا جنى عليه فخرس ، وجبت ديته ; لأن كل ما تعلقت الدية بإتلافه ، تعلقت بإتلاف منفعته ، كاليد . فأما إن جنى عليه ، فأذهب ذوقه ، فقال أبو الخطاب : فيه الدية ; لأن الذوق حاسة ، فأشبه الشم . وقياس المذهب أنه لا دية فيه ، فإنه لا يختلف في أن لسان الأخرس لا تجب فيه الدية . وقد نص أحمد ، رحمه الله ، على أن فيه ثلث الدية . ولو وجب في الذوق دية ، لوجبت في ذهابه مع ذهاب اللسان بطريق الأولى .

                                                                                                                                            واختلف أصحاب الشافعي ; فمنهم من قال : قد نص الشافعي على وجوب الدية فيه . ومنهم من قال : لا نص له فيه . ومنهم من قال : قد نص على أن في لسان الأخرس حكومة ، وإن ذهب الذوق بذهابه . والصحيح ، إن شاء الله ، أنه لا دية فيه ; لأن في إجماعهم على أن لسان الأخرس لا تكمل الدية فيه ; إجماعا على أنها لا تكمل في ذهاب الذوق بمفرده ; لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته ، لا تكمل بمنفعته دونه ، كسائر الأعضاء . ولا تفريع على هذا القول .

                                                                                                                                            فأما على الأول ، فإذا ذهب ذوقه كله ، ففيه دية كاملة ، وإن نقص نقصا غير مقدر ، بأن يحس المذاق كله ، إلا أنه لا يدركه على الكمال ، ففيه حكومة ، كما لو نقص بصره نقصا لا يتقدر ، وإن كان نقصا يتقدر ، بأن لا يدرك بأحد المذاق الخمس ، وهي : الحلاوة ، والمرارة ، والحموضة ، والملوحة ، والعذوبة ، ويدرك بالباقي ، ففيه خمس الدية ، وفي اثنتين خمساها ، وفي ثلاث ثلاثة أخماسها . وإن لم يدرك بواحدة ، ونقص الباقي ، فعليه خمس الدية ، وحكومة لنقص الباقي . وإن قطع لسان أخرس ، فذهب ذوقه ، ففيه الدية ; لإتلافه الذوق .

                                                                                                                                            وإن جنى على لسان ناطق ، فأذهب كلامه وذوقه ، ففيه ديتان . وإن قطعه ، فذهبا معا ، ففيه دية واحدة ; لأنهما يذهبان تبعا لذهابه فوجبت ديته دون ديتهما ، كما لو قتل إنسانا ، لم تجب إلا دية واحدة . ولو ذهبت منافعه مع بقائه ، ففي كل منفعة دية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية