الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7779 ) فصل : والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وأكيلة السبع ، وما أصابها مرض فماتت به ، محرمة ، إلا أن تدرك ذكاتها ; لقوله تعالى { : إلا ما ذكيتم } . وفي حديث جارية كعب { ، أنها أصيبت شاة من غنمها ، فأدركتها ، فذبحتها بحجر ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كلوها } . فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح ، لم تبح بالذكاة ; لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوسي ، لم يبح ، وإن أدركها وفيها حياة مستقرة ، بحيث يمكنه ذبحها ، حلت ; لعموم الآية والخبر .

                                                                                                                                            وسواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش ; لعموم الآية والخبر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل ، ولم يستفصل . وقد قال ابن عباس ، في ذئب عدا على شاة ، فعقرها ، فوقع قصبها بالأرض ، فأدركها ، فذبحها بحجر ، قال : يلقي ما أصاب الأرض ، ويأكل سائرها .

                                                                                                                                            وقال أحمد في بهيمة عقرت بهيمة ، حتى تبين فيها آثار الموت ، إلا أن فيها الروح . يعني فذبحت . فقال : إذا مصعت بذنبها ، وطرفت بعينها ، وسال الدم ، فأرجو إن شاء الله تعالى أن لا يكون بأكلها بأس . وروي [ ص: 323 ] ذلك بإسناده عن عقيل بن عمير ، وطاوس . وقالا : تحركت . ولم يقولا : سال الدم . وهذا على مذهب أبي حنيفة .

                                                                                                                                            وقال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد عن شاة مريضة ، خافوا عليها الموت ، فذبحوها ، فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها ، أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف ، فنهر الدم ؟ قال : فلا بأس به . وقال ابن أبي موسى : إذا انتهت إلى حد لا تعيش معه ، لم تبح بالذكاة .

                                                                                                                                            ونص عليه أحمد ، فقال : إذا شق الذئب بطنها ، فخرج قصبها ، فذبحها ، لا تؤكل . وقال : إن كان يعلم أنها تموت من عقر السبع ، فلا تؤكل وإن ذكاها . وقد يخاف على الشاة الموت من العلة والشيء يصيبها ، فيبادرها فيذبحها ، فيأكلها . وليس هذا مثل هذه ، لا يدري ، لعلها تعيش ، والتي قد خرجت أمعاؤها ، يعلم أنها لا تعيش . وهذا قول أبي يوسف .

                                                                                                                                            والأول أصح ; لأن عمر رضي الله عنه انتهى به الجرح إلى حد علم أنه لا يعيش معه ، فوصى ، فقبلت وصاياه ، ووجبت العبادة عليه ، وفيما ذكرنا من عموم الآية والخبر ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل في حديث جارية كعب ، ما يرد هذا ، وتحمل نصوص أحمد ، على شاة خرجت أمعاؤها ، وبانت منها ، فتلك لا تحل بالذكاة ; لأنها في حكم الميت ، ولا تبقى حركتها إلا كحركة المذبوح ، فأما ما خرجت أمعاؤها ، ولم تبن منها ، فهي في حكم الحياة تباح بالذبح ، ولهذا قال الخرقي ، في من شق بطن رجل ، فأخرج حشوته ، فقطعها فأبانها ، ثم ضرب عنقه آخر ، فالقاتل هو الأول . ولو شق بطن رجل ، وضرب عنقه آخر فالقاتل هو الثاني .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابنا : إذا كانت تعيش معظم اليوم ، حلت بالذكاة . وهذا التحديد بعيد ، يخالف ظواهر النصوص ، ولا سبيل إلى معرفته . وقوله في حديث جارية كعب : فأدركتها فذكتها بحجر . يدل على أنها بادرتها بالذكاة حين خافت موتها في ساعتها . والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمنا يكون الموت بالذبح أسرع منه ، حلت بالذبح ، وأنها متى كانت مما لا يتيقن موتها ، كالمريضة ، أنها متى تحركت ، وسال دمها ، حلت والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية