الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( وإن أودعه بهيمة ولم يأمره ) ربها ( بعلفها و ) لا ( سقيها ) لزمه ذلك ; لأنه من كمال الحفظ ، بل هو الحفظ بعينه ، ; لأن العرف يقتضي علفها وسقيها فهو مأمور به عرفا ( أو أمره ) رب البهيمة ( بذلك ) أي : بعلفها وسقيها ( لزمه ) علفها وسقيها ; لأنه من حفظها ( فإن لم يعلفها ) الوديع ، أو لم يسقها ( حتى ماتت ) البهيمة المودعة جوعا ، أو عطشا ( ضمن ) ها الوديع لتفريطه في حفظها وتعديه بترك ما أمر به عرفا ، أو نطقا ( إلا أن ينهاه ) أي : الوديع ( المالك عن علفها ) ، أو سقيها فيتركه فتتلف ( فلا يضمن ) الوديع ; لأن مالكها أذنه في إتلافها ، أشبه ما لو أمره بقتلها ( لكن يأثم ) الوديع بترك علفها وسقيها حتى مع الأمر بتركهما لحرمة الحيوان .

                                                                                                                      ( وإن قدر المستودع على صاحبها ) أي : البهيمة ( أو ) قدر على ( وكيله طالبه بالإنفاق عليها أو ) طالبه ( بردها ) أي : البهيمة ( عليه ) أي : على مالكها ، أو وكيله ( أو ) طالبه بأن ( يأذن له في الإنفاق عليها ليرجع ) الوديع ( به ) أي : بما أنفقه ; لأن النفقة على الحيوان واجبة على مالكه ، وهذه طريق الوصول إليها منه ( فإن عجز ) المستودع عن صاحبها وعجز عن .

                                                                                                                      ( وكيله ) ، أو لم يقدر على أن يتوصل إلى أحدهما ليطالبه بالإنفاق عليها ، أو استردادها ، أو أن يأذنه في النفقة ( رفع ) المستودع ( الأمر إلى الحاكم فإن وجد ) الحاكم ( لصاحبها مالا أنفق عليها منه ) ; لأن للحاكم ولاية على مال الغائب .

                                                                                                                      ( وإن لم يجد ) الحاكم لصاحبها مالا ( فعل ) الحاكم ( ما يرى فيه الحظ ) أي : ما يؤديه إليه اجتهاده أنه أحظ ( لصاحبها من بيعها ) ، وحفظ ثمنها لربها ( أو بيع بعضها وإنفاقه ) أي : ثمن البعض ( عليها ) أي : على ما بقي منها ( أو إجارتها ) وينفق من أجرتها عليها ويحفظ الباقي ( أو الاستدانة على صاحبها فيدفعه ) أي : ما يستدينه الحاكم ( إلى المودع ، أو ) إلى أمين ( غيره فينفق ) المدفوع إليه ( عليها ) منه بحسب الحاجة .

                                                                                                                      ( ويجوز ) للحاكم ( أن يأذن للمودع أن ينفق عليها من ماله ) ليرجع على ربها إذا جاء ( ويكون المودع ) حينئذ ( قابضا من نفسه ) لما ينفقه عليها ( لنفسه ) وتقدم نظيره في قبض المبيع ونحوه ( ويكل ) أي : يفوض الحاكم ( ذلك إلى اجتهاده ) أي : المودع ( في قدر ما ينفق ) على البهيمة المودعة مع أمانته قلت :

                                                                                                                      والأحوط أن يقدر له ما ينفقه قطعا للنزاع بعد ( ويرجع ) المستودع ( به ) أي : بما أنفقه [ ص: 171 ] بإذن الحاكم ( على صاحبها ) لقيام إذن الحاكم مقام إذنه ( فإن اختلفا ) أي : المودع وربها ( في قدر النفقة ) بأن قال المودع : أنفقت عشرة وقال ربها : بل ثمانية ( ف ) القول ( قول المودع ) بفتح الدال بيمينه ( إذا ادعى النفقة بالمعروف ) ; لأنه أمين ( وإن ادعى ) المودع ( زيادة ) عن النفقة بالمعروف ، أو عما قدره له الحاكم إن قدر شيئا ( لم تقبل ) دعواه لمنافاة العرف لها .

                                                                                                                      ( وإن اختلفا ) أي : رب البهيمة والمودع ( في قدر المدة ) أي : مدة الإنفاق ، بأن قال ربها : أنفقت منذ سنة ، فقال المستودع : بل من سنتين ( فقول صاحبها ) بيمينه ، ; لأن الأصل براءة ذمته مما ادعاه عليه من المدة الزائدة ، وتقدم نظيره في ولي اليتيم .

                                                                                                                      ( وإذا أنفق ) المستودع ( عليها بإذن حاكم رجع به ) أي : بما أنفقه لما مر ( وإن كان ) المستودع أنفق ( بغير إذنه ) أي : الحاكم ( مع تعذره ) أي : إذن الحاكم وغيبة ربها أو العجز عن استئذانه ( وأشهد ) المستودع ( على الإنفاق ) أي : على أنه أنفق ليرجع ( رجع ) بما أنفقه على صاحبها لقيامه عنه بواجب ( وإن كان ) المستودع أنفق على البهيمة ( مع إمكان إذن الحاكم ولم يستأذنه ) أي : الحاكم مع العجز من استئذان ربها ( بل نوى الرجوع لم يرجع ) على صاحبها بشيء مما أنفقه صححه هنا في الإنصاف لعدم إذن ربها ، أو من يقوم مقامه مع قدرته عليه ( وقيل : يرجع ) المستودع بما أنفقه عليها على ربها إذا تعذر استئذانه ، ولو لم يستأذن حاكما مع قدرته ولم يشهد ( اختاره جمع ) ، منهم : ابن عبدوس في تذكرته ، وجزم به في المنتخب وصححه الحارثي وصاحب الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق ، قال في الإنصاف : وهو الصواب انتهى .

                                                                                                                      وجزم به المصنف وصاحب المنتهى وغيرهما في الرهن وقطع به ابن رجب في القاعدة الخامسة والسبعين ، كما دل عليه السياق ، فلا تعارض بين الكلامين ، لكن لا يناسبه قوله : وتقدم في الرهن ، إلا أن يحمل ما هنا على ما إذا لم ينهه عن علفها وما هناك على ما إذا نهاه عنه ( وتقدم في الرهن ) ، .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية