الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1752 - مسألة : فمن مات ولم يوص : ففرض أن يتصدق عنه بما تيسر ولا بد ; لأن فرض الوصية واجب ، كما أوردنا ، فصح أنه قد وجب أن يخرج شيء من ماله بعد الموت ، فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب إخراجه من ماله ، ولا حد في ذلك إلا ما رآه الورثة ، أو الوصي مما لا إجحاف فيه على الورثة - وهو قول طائفة من السلف ، وقد صح به أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          كما روينا من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين : { أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وإنها لو تكلمت تصدقت ، أفأتصدق عنها يا [ ص: 352 ] رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فتصدق عنها } فهذا إيجاب الصدقة عمن لم يوص ، وأمره عليه الصلاة والسلام : فرض .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم بن الحجاج نا قتيبة نا إسماعيل - هو ابن جعفر - عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : { أن رجلا قال لرسول الله إن أبي مات ولم يوص ، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال عليه الصلاة والسلام : نعم } .

                                                                                                                                                                                          فهذا إيجاب للوصية ، ولأن يتصدق عمن لم يوص ولا بد ; لأن التكفير لا يكون إلا في ذنب ، فبين عليه الصلاة والسلام : أن ترك الوصية يحتاج فاعله إلى أن يكفر عنه ذلك ، بأن يتصدق عنه ، وهذا ما لا يسع أحدا خلافه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال : مات عبد الرحمن بن أبي بكر في منام له فأعتقت عنه عائشة أم المؤمنين تلادا من تلاده .

                                                                                                                                                                                          فهذا يوضح أن الوصية عندها رضي الله عنها : فرض ، وأن البر عمن لم يوص : فرض ، إذ لولا ذلك ما أخرجت من ماله ما لم يؤمر بإخراجه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق أنا ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة أنه سمع طاوسا يقول : ما من مسلم يموت لم يوص إلا وأهله أحق ، أو محقون أن يوصوا عنه قال ابن جريج فعرضت على ابن طاوس هذا وقلت : أكذلك ؟ فقال : نعم .

                                                                                                                                                                                          والعجب أنهم يقولون : إن المرسل كالمسند .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج ، وسفيان ، ومعمر ، كلهم : عن عبد الله بن طاوس عن أبيه : { أن رجلا قال : يا رسول الله إن أمي توفيت ولم توص ، أفأوصي عنها ؟ فقال : نعم } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام " [ ص: 353 ] { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق عن امرأة ماتت ولم توص وليدة وتصدق عنها بمتاع } .

                                                                                                                                                                                          ولا مرسل أحسن من هذين ؟ فخالفوهما ، لرأيهما الفاسد

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية