الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          222 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          والمسح على الخفين وما لبس على الرجلين إنما هو على ظاهرهما فقط ، ولا يصح معنى لمسح باطنهما الأسفل تحت القدم ، ولا لاستيعاب ظاهرهما ، وما مسح من ظاهرهما بأصبع أو أكثر أجزأ .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك ما حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حفص بن غياث ثنا الأعمش عن أبي إسحاق [ ص: 343 ] عن عبد خير عن { علي قال : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر الخفين } .

                                                                                                                                                                                          وبه يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري وداود ، وهو قول علي بن أبي طالب كما ذكرنا وقيس بن سعد .

                                                                                                                                                                                          كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري ثنا أبو إسحاق هو السبيعي عن يزيد بن أبي العلاء قال : رأيت قيس بن سعد بال ثم أتى رحله فتوضأ ومسح على خفيه على أعلاهما حتى رأيت أثر أصابعه على خفيه .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن معمر بن أيوب السختياني قال : رأيت الحسن بال ثم توضأ ثم مسح على خفيه على ظاهرهما مسحة واحدة ، فرأيت أثر أصابعه على الخفين .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن ابن جريج قلت لعطاء : أمسح على بطون الخفين ؟ قال لا إلا بظهورهما .

                                                                                                                                                                                          قال علي : والمسح لا يقتضي الاستيعاب ، فما وقع عليه اسم مسح فقد أدى فرضه إلا أن أبا حنيفة قال : لا يجزئ المسح على الخفين إلا بثلاثة أصابع لا بأقل ، وقال سفيان وزفر والشافعي وداود : إن مسح بأصبع واحدة أجزأه ، قال زفر : إذا مسح على أكثر الخفين .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : تحديد الثلاث أصابع وأكثر الخفين كلام فاسد وشرع في الدين بارد لم يأذن به الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          واحتج بعضهم بأنهم قد اتفقوا على أنه إن مسح بثلاث أصابع أجزأه ، وإن مسح بأقل فقد اختلفوا .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا يهدم عليهم أكثر مذاهبهم ، ويقال لهم مثل هذا في فور الوضوء وفي الاستنشاق والاستنثار وفي الوضوء بالنبيذ وغير ذلك ، فكيف ولا تحل مراعاة إجماع إذا وجد النص يشهد لقول بعض العلماء ، وقد جاء النص بالمسح دون تحديد ثلاثة أصابع أو أقل { وما كان ربك نسيا } بل هذا الذي قالوا هو إيجاب الفرائض بالدعوى المختلف فيها بلا نص ، وهذا الباطل المجمع على أنه باطل .

                                                                                                                                                                                          ويعارضون بأن يقال لهم : قد صح إجماعهم على وجوب المسح بأصبع واحدة واختلفوا في وجوب المسح بما زاد ، فلا يجب ما اختلف فيه ، وإنما الواجب ما اتفق عليه ، وهذا أصح في الاستدلال إذا لم يوجد لفظ مروي .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : يستحب مسح ظاهر الخفين وباطنهما ، فإن اقتصر على ظاهرهما دون الباطن أجزأه ، وإن اقتصر على الباطن دون الظاهر لم يجزه . [ ص: 344 ]

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا لا معنى له ، لأنه إذا كان مسح الأسفل ليس فرضا ولا جاء ندب إليه : فلا معنى له .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : يمسح ظاهرهما وباطنهما ، قال ابن القاسم صاحبه : إن مسح الظاهر دون الباطن أعاد في الوقت ، وإن مسح الباطن دون الظاهر أعاد أبدا .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا مسح ظاهر الخفين وباطنهما عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر وعن معمر عن الزهري .

                                                                                                                                                                                          قال علي : الإعادة في الوقت على أصول هؤلاء القوم لا معنى لها ، لأنه إن كان أدى فرض طهارته وصلاته فلا معنى للإعادة ، وإن كان لم يؤدهما فيلزمه عندهم أن يصلي أبدا .

                                                                                                                                                                                          واحتج من رأي مسح باطن الخفين مع ظاهرهما بحديث رويناه من طريق الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخفين وأسفلهما } وحديث آخر رويناه عن بن وهب عن سليمان بن يزيد الكعبي عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن ابن شهاب عن المغيرة بن شعبة { أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفين وأسفلهما } وآخر رويناه من طريق بن وهب : حدثني رجل عن رجل من أعين عن أشياخ لهم عن أبي أمامة الباهلي وعبادة بن الصامت { أنهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفين وأسفلهما . }

                                                                                                                                                                                          قال علي : هذا كله لا شيء ، أما حديث أبي أمامة وعبادة فأسقط من أن يخفى على ذي لب ; لأنه عمن لا يسمى عمن لا يدرى من هو عمن لا يعرف ، وهذا فضيحة .

                                                                                                                                                                                          وأما حديثا المغيرة فأحدهما عن ابن شهاب عن المغيرة ، ولم يولد ابن شهاب إلا بعد موت المغيرة بدهر طويل ، والثاني مدلس أخطأ فيه الوليد بن مسلم في موضعين ، وهذا خبر حدثناه حمام قال ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي قال : قال عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن ثور بن يزيد قال : حدثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخفين وأسفلهما } فصح أن ثورا لم يسمعه من رجاء بن حيوة ، وأنه مرسل لم يذكر فيه المغيرة ، وعلة ثالثة وهي أنه لم يسم فيه كاتب المغيرة ، فسقط كل ما في هذا الباب ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية