الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 219 ] مسألة : حد الرمي بالزنى - وهو القذف - قال الله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } إلى قوله تعالى { غفور رحيم } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : ففي هذه الآية أحكام كثيرة يجب الوقوف عليها بأن تطلب علمها ، وأن تعتقد ، وأن يعمل بها بعون الله تعالى على ذلك : فمنها - معرفة ما هو الرمي الذي يوجب الحكم المذكور في الآية ، من الجلد ، وإسقاط الشهادة ، والفسق ، وأن القذف من الكبائر ، ومن المحصنات اللواتي يجب لرميهن الحكم المذكور في الآية من الجلد ، وإسقاط الشهادة ، والفسق ، وعدد الجلد ، وصفته ؟ ومن المأمور بالجلد ؟ ومتى يمتنع من قبول شهادتهم ، وفي ماذا يمتنع من قبولها ، وفسقهم ، وما يسقط بالتوبة من الأحكام المذكورة وما صفة التوبة من ذلك ؟

                                                                                                                                                                                          ونحن إن شاء الله تعالى نذكر كل ذلك - بعون الله تعالى - بالبراهين الواضحة من القرآن ، والسنن الثابتة في ذلك - ولا حول ولا قوة إلا بالله .

                                                                                                                                                                                          2228 - مسألة : ما الرمي ، والقذف ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : ذكر الله تعالى هذا الحكم باسم " الرمي " في الآية المذكورة ، وصح أن " القذف ، والرمي " اسمان لمعنى واحد : لما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا عبد الأعلى - هو ابن عبد الأعلى السلمي - قال : { سئل هشام - هو ابن حسان - عن الرجل يقذف امرأته ؟ فحدثنا هشام عن محمد - يعني ابن سيرين - قال : سألت أنس بن مالك عن ذلك - وأنا أرى أن عنده من ذلك علما - فقال : إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك ابن سحماء ، وكان أخا البراء بن مالك ، وكان أول من لاعن ، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما ، ثم قال أبصروه ، فإن جاءت به أبيض ، نض العينين ، فهو لهلال بن أمية ، وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك ابن سحماء . قال أنس : فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين . }

                                                                                                                                                                                          [ ص: 220 ] حدثنا عبد الله بن ربيع أنا محمد بن معاوية عن محمد بن سيرين عن { أنس بن مالك ، قال : أول لعان كان في الإسلام أن هلال بن أمية قذف شريك ابن سحماء بامرأته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أربعة شهداء وإلا حد في ظهرك } وذكر حديث اللعان .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فهذا أنس بن مالك حجة في اللغة وفي النقل في الديانة قد سمى الرمي : قذفا ، مع أنه لا خلاف في ذلك من أحد من أهل اللغة ، ولا بين أحد من أهل الملة .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن " الرمي " المذكور في الآية المذكورة الموجب للجلد والفسق ، وسقوط الشهادة هو الرمي بالزنى بين الرجال والنساء .

                                                                                                                                                                                          ثم اختلف العلماء في الرمي بغير الزنى أيوجب حدا أم لا ؟

                                                                                                                                                                                          فقالت طائفة : لا حد إلا في الرمي بالزنى فقط ، ولا حد في غير ذلك ، لا في نفي عن نسب أب أو جد ، ولا في رمي بلوطية ، ولا في رمي ببغاء ، ولا في رمي رجل بوطء في دبر امرأة ، ولا في إتيان بهيمة ، ولا في رمي امرأة أنها أتيت في دبرها ، ولا في رميها ببهيمة ، ولا في رمي بكفر ، ولا بشرب خمر ، ولا في شيء أصلا - وهو قول أصحابنا .

                                                                                                                                                                                          وقال قائلون في بعض ما ذكرنا : إيجاب الجلد ، ونحن نذكر إن شاء الله تعالى ما يسر الله تعالى لذكره من ذلك ، وبيان الحق إن شاء الله تعالى - وبه نستعين .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية