الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وعنه أيضا : الإفطار في رمضان في السفر : عزمة . روينا هذا عنه من طريق عبد بن حميد ، وابن أبي شيبة كلاهما عن محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد أبي الشعثاء عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي عن عمران القطان عن عمار مولى بني هاشم هو ابن أبي عمار - عن ابن عباس أنه سئل عمن صام رمضان في السفر ؟ فقال ابن عباس : لا يجزئه - يعني لا يجزئه صيامه . وعن ابن عمر أنه سئل عن الصوم في السفر ؟ فقال { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق شعبة عن يعلى بن عطاء عن يوسف بن الحكم الثقفي أن ابن عمر سئل عن الصوم في السفر ؟ فقال : إنما هي صدقة تصدق الله بها عليك أرأيت لو تصدقت بصدقة فردت عليك ؟ ألم تغضب ؟ قال أبو محمد : هذا يبين أنه كان يرى الصوم في رمضان في السفر مغضبا لله تعالى ، ولا يقال هذا في شيء مباح أصلا . ومن طريق حماد بن سلمة عن كلثوم بن جبر أن امرأة صحبت ابن عمر في سفر فوضع الطعام فقال لها : كلي ؟ قالت : إني صائمة قال : لا تصحبينا ؟ [ ص: 404 ] ومن طريق معن بن عيسى القزاز عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال : يقال : الصيام في السفر كالإفطار في الحضر . قال أبو محمد : هذا إسناد صحيح ، وقد صح سماع أبي سلمة من أبيه ، ولا يقول عبد الرحمن بن عوف في الدين : يقال كذا إلا عن الصحابة أصحابه رضي الله عنهم ، وأما خصومنا فلو وجدوا مثل هذا لكان أسهل شيء عليهم أن يقولوا : لا يقول ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي معاوية نا ابن أبي ذئب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ، وهذا سند في غاية الصحة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عطاء عن المحرر بن أبي هريرة قال : صمت رمضان في السفر فأمرني أبو هريرة أن أعيده في أهلي ، وأن أقضيه فقضيته .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الدراوردي عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلا سأل سعيد بن المسيب أأتم الصلاة في السفر وأصوم ؟ قال : لا فقال : إني أقوى على ذلك ؟ قال سعيد : رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أقوى منك قد كان يقصر ويفطر . وعن عطاء أنه سئل عن الصوم في السفر فقال : أما المفروض فلا ; وأما التطوع فلا بأس به .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق شعبة عن عاصم مولى قريبة عن عروة بن الزبير أنه قال في رجل صام في السفر : إنه يقضيه في الحضر ، قال شعبة : لو صمت رمضان في السفر لكان في نفسي منه شيء .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق معمر عن الزهري قال : كان الفطر آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : لا تصوموا في السفر . وعن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أن أباه كان ينهى عن صيام [ ص: 405 ] رمضان في السفر ; وكان محمد بن علي ينهى عن ذلك أيضا . وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : لا يصوم المسافر أفطر أفطر ؟ وعن يونس بن عبيد وأصحابه أنهم أنكروا صيام رمضان في السفر . قال أبو محمد : وقد جاء خبر لو وجدوا مثله لعظم الخطب معهم كما روينا من طريق محمد بن أحمد بن الجهم نا موسى بن هارون نا إبراهيم بن المنذر نا عبد الله بن موسى التيمي عن أسامة بن زيد الليثي عن الزهري عن أبي مسلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الصائم في السفر في رمضان كالمفطر في الحضر } . قال أبو محمد : وأما نحن فلا نحتج بأسامة بن زيد الليثي ولا نراه حجة لنا ولا علينا وفي القرآن وصحيح السنن كفاية ، ولله الحمد . قال علي : ومن العجب أن أبا حنيفة لا يجزئ عنده إتمام الصلاة في السفر ، ومالك يرى في ذلك الإعادة في الوقت ثم يختارون الصوم في السفر على الفطر ، تناقضا لا معنى له ، وخلافا لنص القرآن ، وللقياس الذي يدعون له السنن ؟ قال علي : فإذ قد صح هذا فمن سافر في رمضان فله أن يصوم تطوعا ، وله أن يصوم فيه قضاء رمضان أفطره قبل أو سائر ما يلزمه من الصوم نذرا أو غيره ; لأن الله تعالى قال : { فعدة من أيام أخر } : ولم يخص رمضان آخر من غيره ولم يمنع النص من صيامه إلا لعينه فقط ; وأما المريض فإن كان يؤذيه الصوم فتكلفه لم يجزه وعليه أن - يقضيه لأنه منهي عن الحرج والتكلف ، وعن أذى نفسه وإن كان لا يشق عليه أجزأه ; لأنه لا خلاف في ذلك وما نعلم مريضا لا حرج عليه في الصوم قال الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فالحرج لم يجعله الله تعالى في الدين .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية