الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          798 - مسألة : ولا يجوز صوم يوم الشك الذي من آخر شعبان ، ولا صيام اليوم الذي قبل يوم الشك المذكور إلا من صادف يوما كان يصومه فيصومهما حينئذ للوجه الذي كان يصومهما له لا لأنه يوم شك ولا خوفا من أن يكون من رمضان - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب كلاهما عن وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصم } . وقد ذكرنا أمره عليه السلام بأن لا يصام حتى يرى الهلال من طريق ابن عمرو - : نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس : " أن [ ص: 445 ] النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغمي عليكم فعدوا ثلاثين ، قالوا : يا رسول الله ألا نقدم بين يديه يوما أو يومين ؟ فغضب وقال : لا } . قال أبو محمد : نعوذ بالله من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخبر يوضح أنه لا حجة في أي صاحب ولا غيره أصلا - وبهذا يقول طائفة من السلف - : روينا عن ابن مسعود أنه قال : لأن أفطر يوما من رمضان ثم أقضيه أحب إلي من أن أزيد فيه يوما ليس فيه . وعن حذيفة أنه كان ينهى عن صوم اليوم الذي يشك فيه . وعن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن أشيم أنه سمع عمار بن ياسر في يوم الشك في آخر شعبان يقول : من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم . وعن حذيفة ; وابن عباس ; وأبي هريرة ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأنس بن مالك : النهي عن صيامه . وعن ابن عمر ، والضحاك بن قيس أنهما قالا : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه ؟ قال أبو محمد : وروي خلاف هذا عن بعض السلف - : كما روينا عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان . وعن أسماء بنت أبي بكر : أنها كانت تصوم يوم الشك - : وحدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي نا عبيد الله بن عمر عن نافع قال : كان ابن عمر إذا خلت تسع وعشرون ليلة من شعبان بعث من ينظر الهلال فإن حال من دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائما ، وإن لم ير ولم يحل دون منظره أصبح مفطرا . وعن أبي عثمان النهدي أنه كان يصوم يوم الشك . وعن القاسم بن محمد : أنه كان لا يكره صيام يوم الشك إلا إن أغمي دون رؤية الهلال ، [ ص: 446 ] وعن الحسن البصري أنه كان يصبح يوم الشك صائما فإن قدم خبر برؤية الهلال ما بينه وبين نصف النهار أتم صومه وإلا أفطر . وبالنهي عن صومه جملة يقول إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وابن سيرين وغيرهم . قال أبو محمد : هذا ابن عمر هو روى أن لا يصام حتى يرى الهلال ثم كان يفعل ما ذكرنا ; واحتج من رأى صيام يوم الشك بما روينا من طريق مسلم عن ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون عن الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن عمران بن الحصين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ يعني شعبان قال : لا ، قال : فإذا أفطرت من صيام رمضان فصم يومين مكانه } . وبما رويناه من طريق أبي داود نا أحمد بن حنبل نا محمد بن جعفر نا شعبة عن توبة العنبري عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة أم المؤمنين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الله بن أبي العلاء عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة قال : قام معاوية بن أبي سفيان في الناس في دير مسحل الذي على باب حمص فقال : يا أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصيام فمن أحب أن يفعله فليفعله ، فقام إليه مالك بن هبيرة السبائي فقال : يا معاوية أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أم شيء من رأيك ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { صوموا الشهر وسره } . قال أبو محمد : المغيرة بن فروة غير مشهور ثم لو صح لما كانت فيه حجة أصلا ، لأن نصه { صوموا الشهر وسره } وهو بلا شك شهر رمضان لا ما سواه " وسره " مضاف إليه ، ولا يخلو " سره " من أن يكون أوله أو آخره أو وسطه وأي ذلك كان ؟ فهو من رمضان لا من شعبان ، وليس فيه : صوموا سر شعبان ; فبطل التعلق به . [ ص: 447 ] وأما خبر أم سلمة فلا حجة لهم فيه ; لأن كل من كان له صوم معهود فوافق يوم الشك فليصمه كما جاء في الخبر الذي صدرنا به ، ولا يجوز أن يحمل صوم النبي صلى الله عليه وسلم له وفي وصله شعبان برمضان إلا على أنه صوم معهود كان له ؟ وأما خبر عمران فصحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه ; لأننا لا ندري ماذا كان يقول له النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لو قال له الرجل : إنه صام سرر شعبان أينهاه أم يقره على ذلك ؟ والشرائع الثابتة لا يجوز خلافها بالظنون ولا بما لا بيان فيه ، ثم لو كان في هذه الأخبار بيان جلي بإباحة صوم يوم الشك من شعبان لما كان لهم فيه حجة ; لأن صوم يوم الشك وغيره كان مباحا بلا شك في صدر الإسلام ; لأن الصوم جملة عمل بر وخير ; فلما صح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين قبل رمضان إلا لمن كان له صوم يصومه صح يقينا لا مرية فيه أن الإباحة المتقدمة قد نسخت وبطلت ; لأن الصوم قد كان متقدما لهذا النهي بنصه كما هو لاستثنائه عليه السلام من كان له صوم فليصمه ، ولا يحل العمل بشيء قد صح أنه منسوخ بلا شك ولا يحل خلاف الناسخ ومن ادعى أن الحالة المنسوخة قد عادت وأن الناسخ قد بطل فقد كذب وقفا ما لا علم له به ، وقال ما لا دليل له به أبدا ، والظن أكذب الحديث .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية