الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم نبدأ ببيان ميراث بني الأخياف اقتداء بكتاب الله تعالى فقد ذكر الله تعالى في أول السورة ميراثهم بقوله تعالى { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت } أي لأم وهكذا في قراءة سعد رضي الله عنه وهم أصحاب الفريضة للواحد منهم السدس ذكرا كان ، أو أنثى وللمثنى فصاعدا منهم الثلث بين الذكر والأنثى بالسوية لا يزاد لهم على الثلث ، وإن كثروا إلا عند الرد فلا ينتقص الفرد منهم عن السدس إلا عند العول ، وهذا حكم ثابت بالنص قال الله تعالى { لكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ولفظ الشركة يقتضي التسوية فهو دليل على أنه سوى بين ذكورهم ، وإناثهم والمعنى يدل عليه فإنهم يدلون بالأم فيعتبر ميراثهم بميراث المدلي به وللأم في الميراث حالان فالفرد منهم يعتبر حاله بأسوإ حالي الأم فله السدس والجماعة منهم يعتبرون بأخس حالي الأم لتقوي حالهم بالعدد وفي معنى الإدلاء بالأم الذكور والإناث سواء ويفضل الذكر على الأنثى باعتبار العصوبة ، ولا حظ له في العصوبة ثم هم لا يرثون مع أربعة نفر بالاتفاق مع الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى ومع الأب والجد فإن الله تعالى شرط في توريثهم الكلالة ، وقد بينا أن الكلالة ما خلا الوالد والولد واتفقوا أنهم لا يسقطون ببني الأعيان ولا ببني العلات ، ولا ينقص نصيبهم ببني العلات ، وإنما يختلفون في أنه هل ينقص نصيبهم ببني الأعيان أم لا وبيان هذا الاختلاف في امرأة ماتت وتركت زوجا وأما وأخوين لأم ، أو أختين ، أو أخا وأختا وأخوين لأب وأم فالمذهب عند علي وأبي موسى الأشعري وأبي بن كعب رضي الله عنهم أن للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة لأم الثلث ولا شيء للإخوة لأب وأم وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله وقال عثمان وزيد رضي الله عنهما الثلث مقسوم بين الإخوة لأم وبين الإخوة لأب وأم بالسوية وهو مذهب شريح والثوري ومالك والشافعي وهذه المسألة المشركة .

وكان عمر رضي الله عنه ينفي التشريك ، ثم رجع إلى التشريك وعن ابن عباس رضي الله عنه روايتان أظهرهما التشريك وعن ابن مسعود رضي الله عنه روايتان أظهرهما نفي التشريك وتسمى هذه المسألة مسألة التشريك والحمارية ، وذلك لأنه روي أن الإخوة لأب وأم سألوا عمر رضي الله عنه عن هذه المسألة فأفتى بنفي التشريك كما كان يقوله أولا فقالوا هب [ ص: 155 ] أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فقال عمر رضي الله عنه صدقتم ورجع إلى القول بالتشريك وهو المعنى الفقهي فإن استحقاق الميراث باعتبار القرب والإدلاء ، وقد استوفوا في الإدلاء إلى الميت بالأم ويرجح الإخوة لأب وأم بالإدلاء إليه بالأب فإن كانوا لا يتقدمون بهذه الزيادة فلا أقل من أن يستووا بهم ، وإنما لم يتقدموا لأن الإدلاء بالأب بسبب العصوبة واستحقاق العصبات متأخر عن استحقاق أصحاب الفرائض فلا يبقى هنا شيء من أصحاب الفرائض فيسقط اعتبار الإدلاء بقرابة الأب في حقهم ، وإنما يبقى الإدلاء بقرابة الأم وهم في ذلك سواء واحتجاجنا على القوم الذين قالوا هب أن أبانا كان حمارا أنا إذا جعلنا أباكم حمارا فإنا نجعل أمكم أتانا فلا يستحق بالإدلاء بها شيء ومعنى هذا الكلام وهو أن الإدلاء بقرابة الأب سبب لاستحقاق العصوبة وبعد ما وجد هذا السبب لا تكون قرابة الأم علة الاستحقاق بل تكون علة للترجيح فلهذا يرجح الأخ لأب وأم على الأخ لأب ، وما يكون علة للاستحقاق بانفراده لا يقع به الترجيح ، وإنما يقع الترجيح بما لا يكون علة للاستحقاق فلهذا يتبين أن قرابة الأم في حقهم ليست بسبب للاستحقاق ، ثم العصوبة أقوى أسباب الإرث والضعيف لا يظهر مع وجود القوي فلا يظهر الاستحقاق بالفريضة في حق الإخوة والأخوات لأب وأم .

وإذا لم يظهر ذلك وجب إلحاق الفرائض بأهلها فإن بقي سهم فهو للعصبة ، وإن لم يبق فلا شيء لهم . وإذا اعتبر التسوية بينهم في قرابة الأم لترجح قرابة الأب فينبغي أن يكون الثلث كله لهم كما يرجح الإخوة لأب وأم على الإخوة لأب بقرابة الأم والدليل عليه لو كان هناك أخ واحد لأم وعشرة لأب وأم فللأخ لأم السدس والباقي بين الإخوة لأب وأم ولا أحد يقول بالتسوية بينهم هنا فلو كان معنى الاستواء في قرابة الأم معتبرا لوجب أن يعتبر ذلك وبقي تفضيل الأخ لأم على الأخ لأب وأم إذ عرفنا هذا فنقول لو كان مكان الأخوين لأب وأم أختين لأب وأم لا تكون المسألة مشركة لأن للأختين لأب وأم الثلثين بالفريضة وتكون المسألة عولية وكذلك لو كان مكانهما أخوين لأب لا تكون المسألة مشركة لأن من يقول بالتشريك إنما يقول به لوجود المساواة في الإدلاء بالأم وذلك لا يوجد في الإخوة لأب وكذلك إذا كان الأخ لأم واحدا لا تكون مشتركة لأنه يبقى بعد نصيب أصحاب الفرائض .

التالي السابق


الخدمات العلمية