الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال ، ولا يجزئ مسح الرأس بأصبع ، ولا بأصبعين ، ويجزئه بثلاثة أصابع ، والكلام هنا في فصول : أحدهما فيقدر المفروض من مسح الرأس ففي الأصل ذكر قدر ثلاثة أصابع ، وفي موضع الناصية ، وفي موضع ربع الرأس ، وقال الشافعي رحمه الله أدنى ما يتناوله الاسم ، ولو ثلاث شعرات ، وقال مالك رحمه الله تعالى المفروض مسح جميع الرأس .

وقال الحسن رحمه الله تعالى أكثر الرأس ، واستدل مالك { بفعل رسول صلى الله عليه وسلم فإنه مسح رأسه بيديه كلتيهما أقبل بهما ، وأدبر } ، وبه استدل الحسن رضي الله تعالى عنه إلا أنه قال : الأكثر يقوم مقام الكل ، وقد بينا أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يدل على الركنية فقد يكون ذلك لإكمال الفريضة ، واعتبر الممسوح بالمغسول ، وهو فاسد فإن المسح بني على التخفيف ، وفي كتاب الله تعالى ما يدل على التبعيض في المسح ، وهو حرف الباء في قوله تعالى { وامسحوا برءوسكم } فهو إشارة إلى البعض كما يقال كتبت بالقلم ، وضربت بالسيف أي بطرف منه .

ولهذا قال الشافعي يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم ، ولكنا نقول : من مسح ثلاث شعرات لا يقال إنه مسح برأسه عادة ، وفي الآية ما يدل على البعض ، وهو مجمل في مقدار ذلك البعض بيانه في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه المغيرة رضي الله تعالى عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه ، ومسح على ناصيته } ، وذلك الربع فإن الرأس ناصية ، وقذال ، وفودان ، ولأن الربع بمنزلة الكمال فإن من رأى وجه إنسان يستجيز له أن يقول رأيت فلانا ، وإنما رأى أحد [ ص: 64 ] جوانبه الأربعة .

إذا عرفنا هذا فنقول : ذكر في نوادر ابن رستم أنه إذا وضع ثلاثة أصابع ، ولم يمرها جاز في قول محمد رحمه الله تعالى في الرأس والخف ، ولم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - حتى يمرها بقدر ما تصيب البلة مقدار ربع الرأس فهما اعتبرا الممسوح عليه ومحمد رحمه الله تعالى اعتبر الممسوح به ، وهو عشرة أصابع ، وربعها أصبعان ، ونصف إلا أن الأصبع الواحد لا يتجزأ فجعل المفروض ثلاثة أصابع لهذا ، وإن مسح بأصبع ، أو بأصبعين لم يجزه عندنا .

وقال زفر رحمه الله تعالى يجوز إذا مسح به مقدار ربع الرأس قال ; لأن المعتبر إصابة البلة دون الأصابع حتى لو أصاب رأسه ماء المطر أجزأه عن المسح .

( ولنا ) أنه كلما وضع الأصابع صار مستعملا فلا يجوز إقامة الفرض به بالإمرار فإن قيل إذا وضع ثلاثة أصابع ، ومسح بها جميع رأسه جاز ، وكما لا يجوز إقامة الفرض بالماء المستعمل فكذلك إقامة السنة بالممسوح . قلنا : الرأس تفارق المغسولات في المفروض دون المسنون .

( ألا ترى ) أن في المسنون يستوعب الحكم جميع الرأس كما في المغسولات فكما أن في المغسولات الماء في العضو لا يصير مستعملا فكذلك في حكم إقامة السنة في الممسوح ، إلى هذا الطريق يشير محمد رحمه الله تعالى حتى قال في نوادر ابن رستم لو أعاد الأصبع إلى الماء ثلاث مرات يجوز ، وهكذا قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى لو مسح بأصبعه بجوانبه الأربعة يجوز ، والأصح عندي أنه لا يجوز ، وأن الطريقة غير هذا فقد ذكر في التيمم أنه إذا مسح بأصبع ، أو بأصبعين لا يجوز فالاستيعاب هناك فرض ، وليس هناك شيء يصير مستعملا ، ولكن الوجه الصحيح أن المفروض هو المسح باليد فأكثر الأصابع يقوم مقام الكل فإذا استعمل في مسح الرأس ، أو الخف ، أو التيمم ثلاثة أصابع كان كالماسح بجميع يده فيجوز ، وإلا فلا .

وإن كان شعره طويلا فمسح ما تحت أذنيه لم يجزه ، وإن مسح ما فوقهما أجزأه ; لأن المسح على الشعر بمنزلة المسح على البشرة التي تحته ، وما تحت الأذنين عنق ، وما فوقهما رأس ، والأفضل أن يمسح ما أقبل من أذنيه ، وما أدبر مع الرأس ، وإن غسل ما أقبل منهما مع الوجه جاز ; لأن في الغسل مسحا ، وزيادة ، ولكن الأول أفضل ; لأن الأذنين من الرأس ، والفرض في الرأس المسح بالنص ، وإنما قلنا إنهما من الرأس ; لأنهما على الرأس ، واعتبرا بآذان الكلاب ، والسنانير ، والفيل ، ومن فغر فاه فيزول عظم اللحيين عن عظم الرأس ، وتبقى الأذن مع الرأس ، وعلى هذا قلنا لا يأخذ لأذنيه ماء جديدا .

وقال الشافعي رحمه الله تعالى يأخذ لأذنيه ماء [ ص: 65 ] جديدا . ، واستدل بما روى أبو أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، وأخذ لأذنيه ماء جديدا } ، وقال ; لأن الأذن مع الرأس كالفم ، والأنف مع الوجه ، ثم يأخذ للمضمضة ، والاستنشاق ماء جديدا سوى ما يقيم به فرض غسل الوجه فهذا مثله .

( ولنا ) حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه ، وأذنيه بماء واحد ، وقال الأذنان من الرأس } . فإما أن يكون المراد بيان الحقيقة ، وهو مشاهد لا يحتاج فيه إلى بيانه ، أو يكون المراد أنهما ممسوحان كالرأس ، وهذا بعيد فاتفاق العضوين في الفرض لا يوجب إضافة أحدهما إلى الآخر فعرفنا أن المراد أنهما ممسوحان بالماء الذي مسح به الرأس ، وتأويل ما رواه أنه لم يبق في كفه بلة فلهذا أخذ في أذنيه ماء جديدا .

وذكر الحاكم رحمه الله في المنتقى إذا أخذ غرفة من الماء فتمضمض بها ، وغسل وجهه أجزأه ، وبعد التسليم قلنا : المضمضة ، والاستنشاق مقدمان على غسل الوجه فإذا أقامهما بماء ، واحد كان المفروض تبعا للمسنون ، وذلك لا يجوز ، وها هنا إذا أقامهما بماء ، واحد يكون المسنون تبعا للمفروض ، وذلك مستقيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية