الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب الانتقال ) قال : رحمه الله تعالى الانتقال على ضربين : انتقال موضع ، وانتقال عدد ولا يحصل الانتقال [ ص: 175 ] بالمرة الواحدة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ما لم تر مرتين ، وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى بالمرة الواحدة يحصل انتقال العادة قال : لأن ابتداء العادة يحصل بالمرة فيكون كذلك انتقالها ; لأن المرأة صاحبة بلوى ، وفي الانتقال بالمرة الواحدة تيسير عليها فكان القول به أولى لقوله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ; ولأن المرة الأخيرة متصلة بالاستمرار والبناء على العادة في زمان الاستمرار فترجح ما كان متصلا بالاستمرار على ما كان قبله ; لأن هذه المرة لصحتها صارت فاصلة بين زمان الاستمرار ، وما تقدم وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا : العادة مشتقة من العود ولن يحصل العود بدون التكرار ; ولأن الشيء لا ينسخه إلا ما هو مثله أو فوقه قال الله تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } والأول متأكد بالتكرار فلا ينسخه إلا ما هو مثله في التأكد وقد بينا الفرق بين ابتداء العادة وانتقالها ثم نبدأ ببيان انتقال الموضع فنقول : هو نوعان : تارة يكون بالرؤية في غير موضع عادتها مرتين وتارة يكون بعدم الرؤية مرتين وبيان ذلك امرأة حيضها عشرة وطهرها خمسة عشر طهرت مرة خمسة وعشرين يوما ثم رأت الدم عشرة فهذه العشرة حيض عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وتنتقل عادتها في الحيض إلى موضع الرؤية ، وفي الطهر إلى خمسة وعشرين وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا تكون هذه العشرة حيضا لها ، ولكن يتوقف أمرها على الرؤية في أيام عادتها في الثاني فإن رأت تبين أن ما سبق لم يكن حيضا ، وإن لم تر بأن طهرت خمسة وعشرين بعد هذه العشرة ثم رأت الدم عشرة تبين أن العشرة الأولى كانت حيضا ; لأنها رأت خلاف عادتها في الموضع مرتين والعدد بحاله فانتقلت عادتها إلى موضع الرؤية ولو كانت عادتها في الحيض ثلاثة وفي الطهر خمسة عشر فطهرت ستة عشر يوما فهذه لم تر مرة ; لأنه لم يبق من أيام عادتها ما يمكن أن يجعل حيضا لها فتصلي إلى موضع حيضها ، وموضع حيضها الأول من خمسة عشر إلى ثمانية عشر ، وموضع حيضها الثاني من ثلاثة وثلاثين إلى ستة وثلاثين حتى إذا طهرت ثلاثة وثلاثين ثم استمر بها الدم فقد وافق الاستمرار ابتداء حيضها الثاني فيجعل ثلاثة حيضا وخمسة عشر طهرا .

وإن طهرت أربعة وثلاثين فلم تر مرتين على الولاء ; لأن الباقي من أيامها الثاني لا يمكن أن يجعل حيضا فانتقلت عادتها إلى أول الاستمرار لعدم الرؤية مرتين فتكون الثلاثة من أول الاستمرار حيضا لها ألا ترى أن امرأة عادتها في الحيض في أول كل شهر عشرة ، وفي الطهر عشرين فحبلت ثم [ ص: 176 ] ولدت وقد بقي من الشهر عشرة ، واستمر بها الدم فهذه العشرة والشهر الذي يليها نفاسها ثم بعده عشرون طهرها ثم عشرة حيضها فقد انتقلت عادتها في الحيض من أول الشهر إلى آخره لعدم الرؤية مرارا في زمان الحبل فعرفنا أن العادة تنتقل بعدم الرؤية مرتين والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية