الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( والفصل الثاني ) المفرد بالعمرة إذا جامع قبل أن يطوف أكثر الأشواط فسدت عمرته ، وعليه دم ، وإن جامع بعدما طاف أكثر الأشواط لا تفسد عمرته ; لأن ركن العمرة هو الطواف فيتأكد إحرامه بأداء أكثر الأشواط كما يتأكد إحرام الحج بالوقوف ، ولكن عليه دم عندنا ، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى في الوجهين جميعا تفسد عمرته ، وعليه بدنة ; لأن الجماع محظور كل واحد من النسكين فكما أن في الحج يجب البدنة بالجماع فكذلك بالعمرة ، وعندنا لا مدخل للبدنة في العمرة بخلاف الحج على ما بينا في طواف الحج ففي الحقيقة إنما ينبني هذا على الخلاف المعروف بيننا وبينهم في العمرة عندنا العمرة سنة ، وعلى قوله فريضة كفريضة الحج ، واحتج بقوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فقد قرن بينهما في الأمر بالإتمام فدل على فرضيتهما . وفي حديث ابن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { العمرة فريضة الحج } ، وقال صبي بن معبد فوجدت الحج والعمرة واجبين علي { ، وقال صلى الله عليه وسلم للخثعمية حجي عن أبيك واعتمري } . وحقيقة الأمر للوجوب .

( ولنا ) حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحج جهاد والعمرة تطوع ، { وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي فقال لا ، وأن تعتمر خير لك } ، ولأن العمرة لا تتوقت بوقت معلوم في السنة وإنما باين النفل الفرض بهذا فإن الفرض يتوقت بوقت والنفل لا يتوقت ، ولأنه يتأدى بنية غيره فإن عنده المحرم بالحج قبل أشهر الحج يكون محرما بالعمرة ، وبالإجماع فائت الحج يتحلل بأعمال العمرة ، والفرض إنما باين النفل بهذا فإن النفل يتأدى بنية الفرض ، والفرض الذي هو غير معين لا يتأدى بنية النفل فأما الآية فقد قرئت بالنصب وبالرفع { والعمرة لله } فالقراءة بالرفع ابتداء خبر العمرة لله ، والنوافل لله تعالى كالفرائض . ثم هذا أمر [ ص: 59 ] بالإتمام بعد الشروع ، ولا خلاف فيه ، وما عرفنا ابتداء فريضة الحج بهذه الآية بل عرفناه بقوله تعالى { ، ولله على الناس حج البيت } ، وبهذا تبين أن المقصود زيارة البيت ، وهذا المقصود حاصل بفريضة نسك واحد فلا تثبت صفة الفريضة في عدد منه ، ولهذا لا يتكرر فريضة الحج ، ومعنى قوله فريضة أي مقدرة بأعمال كالحج فإن الفرض هو التقدير ، وبه نقول أنها مقدرة فأكثر ما في الباب أن الآثار قد اشتبهت فيه ، ولكن صفة الفريضة مع اشتباه الأدلة لا تثبت فإذا ثبت عندنا أن أصله ليس بفرض بل هو تبع للحج لا يكون وجوب البدنة بالجماع في الحج دليلا على وجوبها في العمرة ، وعنده لما كان فرضا وجب بالجماع فيه ما يجب في الحج

.

التالي السابق


الخدمات العلمية