الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإن زنى بصبية لا يجامع مثلها فأفضاها فلا حد عليه ; لأن وجوب حد الزنا يعتمد كمال الفعل ، وكمال الفعل لا يتحقق بدون كمال المحل ، فقد تبين أن المحل لم يكن محلا لهذا الفعل حين أفضاها بخلاف ما إذا زنى بها ولم يفضها ; لأنه تبين أنها كانت محلا لذلك الفعل حين احتملت الجماع ، ولأن الحد مشروع للزجر ، وإنما يشرع الزجر فيما يميل الطبع إليه ، وطبع العقلاء لا يميل إلى وطء الصغيرة التي لا تشتهى ولا تحتمل الجماع فلهذا لا حد عليه ولكنه يعزر لارتكابه ما لا يحل [ ص: 76 ] له شرعا ثم إن كانت تستمسك البول فعليه ثلث الدية والمهر ، أما ثلث الدية لجرح الجائفة والمهر للوطء فإن الوطء في ملك الغير لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وقد سقطت العقوبة لشبهة النقصان في الفعل فيجب المهر ; لأنه يثبت مع الشبهة ، والوطء ليس إلا إيلاج الفرج في الفرج ، وقد وجد ذلك منه ، ألا ترى أنه يجب المهر تارة بالعقد وتارة بالوطء ثم العقد على الصغيرة يوجب المهر ؟ فكذلك وطؤها إن كانت لا تستمسك البول فعليه كمال الدية لإفساد العضو الذي كان استمساك البول به فإنه لا ثاني له في البدن ولا مهر عليه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وفي قول محمد رحمه الله تعالى عليه مهر لوجود حقيقة الوطء منه فكما لا يدخل المهر في بعض الدية فكذا لا يدخل في جميع الدية ; لأن وجوب الدية بالجناية على العاقلة مؤجلا والمهر في مال الجاني حالا فكيف يدخل أحدهما في الآخر وهما يقولان : الفعل واحد ، فإذا وجب به كمال بدل النفس يدخل فيه ما دونه ، كما لو شج رجلا فذهب عقله أو سقط جميع شعره حتى وجب عليه كمال الدية دخل فيه أرش الموضحة ، وهذا ; لأن المستوفى بالوطء في حكم العتق ، وكذلك المتلف بالجناية ، وعند اتحاد المستوفى لا يجب أكثر من بدل النفس بخلاف ما إذا كان البول يستمسك ، فإن الواجب هناك بعض بدل النفس فيجوز أن يجب المهر معه وهو نظير ما لو فقأ إحدى عيني أمة إنسان يضمن نصف قيمتها ولا يملك شيئا من الجثة بخلاف ما إذا فقأ العينين وضمن كمال الدية فإنه يملك الجثة .

( قال ) وإذا جامع صبية فأفضاها ومثلها لا يجامع لم تحرم عليه أمها وابنتها في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يحرم استحسانا لوجود حقيقة الوطء بوجود إيلاج الفرج في الفرج ، والوطء علة لإيجاب حرمة المصاهرة والدليل على أن الوطء جعل حكما أنه يتعلق به الاغتسال بنفس الإيلاج من غير إنزال ويجب به المهر ، وباب الحل والحرمة مبني على الاحتياط فللاحتياط استحسن أبو يوسف رحمه الله تعالى وجه قولهما أن ثبوت حرمة المصاهرة بالوطء ليس لعينه بل ; لأنه حرث للولد ولهذا لا يثبت بوطء الميتة وبالوطء في الدبر وهذا الفعل ليس بحرث للولد ; لأن الحرث لا يتحقق إلا بمحل منبت بخلاف الاغتسال فإن وجوبه باستطلاق وكاء المني ، وذلك يتم بمعنى الحرارة واللين في المحل ، وبخلاف ما إذا كانت صغيرة يشتهى مثلها ; لأن كون المحل منبتا حقيقة لا يمكن الوقوف عليه فيقام السبب الظاهر وهو كونها مشتهاة مقامه ، ألا ترى أن هذا الفعل حلال شرعا لمعنى الحرث ؟ [ ص: 77 ] ثم يحل وطء الصغيرة التي تشتهى بالنكاح ولا يحل وطء الصغيرة التي لا تشتهى ، ومن قذف هذا الذي جامع هذه الصبية لا حد عليه لارتكابه وطئا حراما فإن الوطء الحرام في غير الملك مسقطا للإحصان ، والصورة في إيراث الشبهة بمنزلة الحقيقة في درء ما يندرئ بالشبهات

التالي السابق


الخدمات العلمية