الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وعن ابن المسيب رضي الله تعالى عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن تنخع الشاة إذا ذبحت } وبه نأخذ ، ومعناه أن يبالغ الذابح بالذبح حتى يبلغ بالسكين النخاع ، والنخاع عرق أبيض في عظم الرقبة ، وفي هذا زيادة إيلام غير محتاج إليه ، والشرع نهى عن ذلك ، والأصل فيه حديث أبي الأشعث الصبغاني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته } والنخع ليس من الإحسان في شيء ، وكان منهيا عنه ، وروي كراهية ذلك عن عمر وابن عمر رضي الله تعالى عنهما حتى قال عمر رضي الله تعالى عنه لا تجروا العجماء إلى مذبحها برجلها ، وأحدوا الشفرة ، وأسرعوا الممر على الأوداج ، ولا تحفوا .

( وعن ) مكحول رضي الله تعالى عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح لم ينخع ، ولم يبد بسلخ حتى تبرد الشاة } وفي هذا دليل على أنه لا بأس للمرء أن يذبح بنفسه ، وأن ذلك ليس من ترك الترحم في شيء ، بخلاف ما قاله جهال المتقشفة ، وفيه دليل على أنه ينبغي للذابح أن يتحرز عن زيادة إيلام غير محتاج إليه .

( وعن ) عكرمة رضي الله عنه قال : { نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل قد أضجع شاة وهو يحد الشفرة ، وهي ملاحظة فقال : عليه الصلاة والسلام أردت أن تميتها موتات } وبه نأخذ فنقول : يكره له أن يحد الشفرة بين يديها لما فيه من زيادة إيلام غير محتاج إليه ، وضرب عمر رضي الله عنه من رآه يفعل ذلك بالدرة حتى هرب وشردت الشاة { ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 227 ] رجلا وقد أخذ أذن شاة ، وهو يجرها إلى المذبح فقال : قدها إلى الموت قودا رفيقا ، وفي رواية قال : خذ ساقها ، فإن الله يرحم من عباده الرحماء } والمعنى أنها تعرف ما يراد بها ، كما جاء في الخبر { ما هبت البهائم إلا عن أربعة خالقها ، ورازقها ، وحتفها ، وسفادها } فإذا كانت تعرف ذلك وهو يحد الشفرة بين يديها ففيه زيادة إيلام غير محتاج إليه ، وكذلك إذا لم يحد الشفرة ، ولكن الشاة لا تحرم بشيء من هذا ; لأن ما هو المطلوب من الذكاة ، وهي تسييل الدم النجس منها قد وجد ، والنهي لمعنى في غير المنهي عنه ، فلا يكون موجبا للحرمة ، وقد وجد

التالي السابق


الخدمات العلمية