الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أسلم ثوبا إلى صباغ فصبغه أحمر على ما أمره به فقال الصباغ : صبغته بدرهم وقال رب الثوب : بدانقين وإني أنظر إلى ما زاد الصبغ فيه فإن زاد درهما ، أو أكثر فله درهم بعد أن يحلف الصباغ ما صبغه بدانقين ، وإن كان دانقين ، أو أقل ; فإنه يعطيه دانقين بعد أن يحلف رب الثوب ما صبغه بدرهم كما يدعيه الصباغ ; لأن الأصل في باب الخصومات أن القول قول من يشهد له الظاهر والظاهر أن الصباغ لا يجعل في ثوب إنسان صبغا يساوي درهما بدانقين إذن يخسر وهو ما جلس لهذا والظاهر أن الإنسان لا يلتزم درهما بإزاء صبغ يساوي دانقين إذن يغبن والمغبون لا محمود ولا مأجور ، فإذا كان قيمة الصبغ درهما ، أو أكثر فله فالظاهر شاهد للصباغ فيجعل القول قوله مع يمينه على دعوى خصمه ، وإذا كانت قيمة الصبغ أقل من دانقين فالظاهر شاهد لرب الثوب فيكون القول قوله مع يمينه على دعوى خصمه ، وإن كان أكثر من دانقين وأقل من درهم أعطيت الصباغ ذلك بعد أن يحلف ما صبغه بدانقين وبعض مشايخنا رحمهم الله يقول : هنا يتحالفان ; لأن الظاهر لا يشهد لكل واحد منهما فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه على قياس اختلاف الزوجين في المهر إذا كان مهر المثل لا يشهد لقول واحد منهما

قال : رضي الله عنه والأصح عندي أنه لا تخالف هنا بل اليمين على الصباغ خاصة ; لأن المبتغى بالتحالف الفسخ وبعد اتصال الصبغ بالثوب لا تصور لفسخ العقد فلا معنى للتحالف بخلاف النكاح ; فإنه محتمل للفسخ ببعض الأسباب وإذا لم يجب التحالف هنا كان على رب الثوب قيمة الصبغ ; لأن لاتصال الصبغ بالثوب موجبا وهو قيمته على رب الثوب كالغاضب إذا صبغ ثوب إنسان وأراد رب الثوب أخذه أعطاه قيمة الصبغ إلا أن رب الثوب هنا يدعي براءته عن بعض القيمة برضاء الصباغ بدانقين والصباغ منكر [ ص: 95 ] لذلك فيحلف على دعواه لهذا المعنى ، وإن كان الصبغ سوادا فالقول قول رب الثوب مع يمينه ; لما بينا فيما سبق أن السواد نقصان فلا يمكن تحكيم قيمة الصبغ بنفي ظاهر الدعوى والإنكار ، والصباغ يدعي زيادة في حقه ورب الثوب منكر لذلك فيحلف على دعواه لهذا المعنى ولو قال رب الثوب صبغته لي بغير أجر فالقول قوله ، وكذلك كل صبغ ينقص الثوب ، فأما كل صبغ يزيد في الثوب قال رب الثوب صبغته لي بغير أجر وقال الصباغ صبغته بدرهم فعلى كل واحد منهما اليمين على دعوى صاحبه وليس هذا بتحالف للاختلاف في بدل العقد ، ولكن الصباغ يدعي لنفسه درهما على رب الثوب ورب الثوب منكر فعليه اليمين ، ورب الثوب يدعي على الصباغ أنه وهب الصبغ منه وقد تمت الهبة باتصاله بملكه والصباغ منكر لذلك فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ، ثم يضمن رب الثوب ما زاد الصبغ في ثوبه ; لأن ما ادعاه كل واحد منهما انتفى بيمين صاحبه يبقى صبغ الغير متصلا بثوبه بإذنه وعليه قيمته ولا يجاوز به درهما ; لأن الصباغ لا يدعي أكثر من درهم فهو بهذه الدعوى يصير مبرئا له عن الزيادة على درهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية