الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أجر داره من رجل شهرا بثوب بعينه فسكنها لم يكن له أن يبيع الثوب من المستأجر ولا من غيره قبل القبض ; لأن الأجرة إذا كانت ثوبا بعينه فهو كالمبيع وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز من البائع ولا من غيره قال .

( ألا ترى ) أنه لو هلك كان على المستأجر أجر مثلها وهذا إشارة إلى بقاء الغرر ، والمكيل في الملك المطلق للتصرف وكذلك كل شيء بعينه من العروض والحيوان أو الموزون وتبر الذهب والفضة ، وفي هذا إشارة إلى أن التبر يتعين بالتعيين وقد بينا اختلاف الروايات في كتاب الشركة ، وإن كان الأجر شيئا من المكيل والموزون بغير عينه موصوفا كان له أن يبيعه من المستأجر قبل أن يقبضه منه ; لأن المكيل والموزون يثبت في الذمة ثمنا والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز ، فكذلك بالأجر فإن ابتاع به منه شيئا بعينه جاز إن قبضه في المجلس أو لم يقبضه لأنهما افترقا عن عين بدين ، وإن ابتاع منه شيئا بغير عينه فلا يفارقه حتى يقبض منه فإن فارقه قبل أن يقبضه انتقض البيع ; لأنهما افترقا عن دين بدين وهو الحكم [ ص: 141 ] في ثمن البيع ، وليس له أن يبيعه من غيره فإن بيع الدين من غير من عليه الدين لا يجوز إلا على قول مالك رحمه الله وهو يقول : كما يجوز بيعه ممن عليه ، فكذلك من غيره ، ولكنا نقول إذا باعه منه يصير قابضا له بذمته وإذا باعه من غيره فهو لا يقدر على تسليمه ما لم يستوف ولا يدري متى يستوفي فإنما يبيع ما لا يقدر على تسليمه وقد شرط للتسليم أجلا مجهولا وهو إلى أن يخرج ، وذلك مبطل للبيع ولو استأجر بيتا بثوب فأجره بدراهم أكثر من قيمة الثوب طاب له الفضل لأن عند اختلاف الجنس لا يظهر الفضل إلا بالتقويم ، والعقد لا يوجب ذلك ، وكذلك كل ما اختلف الجنس فيه حتى لو استأجره بعشرة دراهم وأجره بدينارين طاب له الفضل أيضا ; لأنه لا يظهر الفضل بين الدنانير والدراهم إلا بالتقويم .

( ألا ترى ) أن مبادلة عشرة دراهم بدينارين تجوز في عقد واحد ولا يظهر بينهما الفضل الخالي عن المقابلة ففي عقدين أولى ، وإذا كان أجر الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة موصوفة وأشهد المؤاجر أنه قبض من المستأجر عشرة دراهم أو قفيز حنطة ، ثم ادعى أن الدراهم نبهرجة وأن الطعام معيب فالقول قوله ; لأنه منكر استيفاء حقه فإن ما في الذمة يعرف بالصفة ويختلف باختلاف الصفة ولا مناقضة في كلامه فاسم الدراهم يتناول النبهرجة واسم الحنطة يتناول المعيب ، وإن كان حين أشهد قال : قد قبضت من أجر الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة لم يصدق بعد ذلك على ادعاء العيب والزيف ، وكذلك لو قال : استوفيت أجر الدار ، ثم قال : وجدته زيوفا لم يصدق ببينة ولا غيرها ; لأنه قد سبق منه الإقرار بقبض الجياد فإن أجر الدار من الجياد فيكون هو مناقضا في قوله وجدته زيوفا والمناقض لا قول له ولا تقبل بينته ، ولو كان الأجر ثوبا بعينه فقبضه ، ثم جاء يرده بعيب فقال المستأجر ليس هذا ثوبي فالقول قول المستأجر ; لأنهما تصادقا على أنه قبض المعقود عليه ; فإنه كان شيئا بعينه ، ثم ادعى الآخر لنفسه حق الرد والمستأجر منكر لذلك فالقول قوله ، فإن أقام رب الدار البينة على العيب رده سواء كان العيب يسيرا أو فاحشا على قياس المبيع ، ثم ينفسخ العقد برده لفوات القبض المستحق بالعقد فيأخذ منه قيمة السكنى وهو أجر مثل الدار لأن العقد لما فسد لزمه رد المستوفى من السكنى ورد السكن برد أجر المثل ، وإن كان حدث به عيب لم يستطع رده رجع بحصة العيب من أجر مثل الدار ; لأن الرجوع بحصة العيب عند تعذر الرد يكون من البدل كما في البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية