الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
رجلان استأجرا منزلا واشترطا فيما بينهما أن ينزل أحدهما في أقصاه والآخر في مقدمه ولم يشترطا ذلك في أصل الإجارة فالإجارة جائرة ولصاحب الأقصى أن ينزل في مقدمه مع صاحبه ; لأن المواضعة التي بينهما بعدما ملك المنفعة بالإجارة بمنزلة المهايأة والمهايأة لا تكون واجبة فلا يكون أحدهما أحق بالانتفاع بالمقدم من الآخر وإذا تكارى دارا لينزلها بنفسه وأهله فلم ينزلها ولكن أنزل فيها دواب وبقرا [ ص: 153 ] فانهدمت من عملهم فلا ضمان عليه لأن هذا ليس بخلاف منه فإن ما فعل من توابع السكنى وعليه الأجر وقيل هذا إذا كان منزلا تدخل الدواب مثل ذلك المنزل عادة ، فإن كان بخلاف ذلك فهو غاصب ضامن ; لما ينهدم بعمله وإذا مات أحد المكاريين انتقضت الإجارة عندنا وقال الشافعي : لا تنتقض بموتهما ولا بموت أحدهما إلا في خصلة واحدة وهي إذا شرط على الخياط أنه يخيط بنفسه فمات الخياط بناء على أصله أن المنافع جعلت كالأعيان القائمة ، ثم العقد على العين لا يبطل بموت أحد المتعاقدين فكذلك العقد على المنفعة وهذا ; لأنه لما جعل كالعين فقد تم الاستحقاق في الكل فبموت الأجير لا يتغير ذلك ; لأن وارثه يخلفه فيما كان مستحقا له وقاس بالأرض المستأجرة إذا زرعها المستأجر ثم مات فإن الإجارة لا تنتقض بالإنفاق بل يخلفه وارثه في تربية الزرع فيها إلى وقت الإدراك ولأن هذا عقد معاوضة يقصد به استيفاء المنفعة فلا يبطل بموت العاقد إلا أن يتضمن هذا المعقود عليه كالنكاح فإن زوج أمته ، ثم مات المولى لا يبطل العقد وبموت أحد الزوجين يرتفع العقد لتضمنه فوات المعقود عليه ; ولهذا تبطل الإجارة بموت الخياط إذا شرط عليه العمل بيده لفوات المعقود عليه وتبطل الكتابة بموت المكاتب عنده لفوات المعقود عليه ولا تبطل بموت المولى بالاتفاق ولنا طريقان .

( أحدهما ) في موت الأجير فنقول المستحق بالعقد المنافع التي تحدث على ملك الأجير وقد فات ذلك بموته فتبطل الإجارة لفوات المعقود عليه وبيان ذلك أن رقبة الدار تنتقل إلى الوارث والمنفعة تحدث على ملك صاحب الرقبة .

( ألا ترى ) أنه لو باع الدار برضاء المستأجر بطلت الإجارة لانتقال الملك فيها إلى غيره توضيحه أنه فيما يحدث فيها من المنفعة بعد الموت هو مضيف للعقد إلى الغير وليس له ولاية إلزام العقد في ملك الغير وهذا ; لأن الإجارة تتجدد في ملك المعقود عليه بحسب ما يحدث من المنفعة فإن .

( قيل ) فعلى هذا ينبغي أن تعمل الإجارة فيها من المورث .

( قلنا ) إنما لا تعمل إجارته لأنه لم يتوقف على حقه عند العقد فما كان يعلم عند ذلك أن العقد مضاف إلى محل حقه وهذا بخلاف النكاح ; لأن ملك النكاح في حكم ملك العين فلا يثبت للوارث بملك رقبة الأمة حق فيما هو حق الزوج كما لو باعها المولى لا يبطل النكاح والطريق الآخر في موت المستأجر وهو أنه لو بقي العقد بعد موته إنما يبقى على أن يخلفه الوارث والمنفعة المجردة لا تورث .

( ألا ترى ) أن المستعير إذا مات لا يخلفه وارثه في المنفعة وقد بينا أن [ ص: 154 ] المستعير مالك للمنفعة وفي حكم التوريث لا فرق بين الملك ببدل وبغير بدل كالعين ; ولهذا لو مات الموصى له بالخدمة تبطل الوصية ; لأن المنفعة لا تورث والدليل عليه لو أوصى برقبة عبده لإنسان وبخدمته لآخر فرد الموصى له بالخدمة الوصية كانت الخدمة لصاحب الرقبة دون ورثة الموصي لأن المنفعة المجردة لا تورث وهذا لأن الوراثة خلافة فلا يتصور ذلك إلا فيما يبقى ليكون ملك المورث في الوقت الأول ويخلفه الوارث فيه في الوقت الثاني والمنفعة الموجودة في حياة المستأجر لا تبقى والتي لا تحدث لا تبقى لتورث والتي تحدث بعد موته لم تكن مملوكة له ليخلفه الوارث فيها فالملك لا يسبق الوجود ، وإذا ثبت انتفاء الإرث تعين بطلان العقد فيه كعقد النكاح يرتفع بموت الزوج ; لأن وارثه لا يخلفه فيه وفصل الأرض المزروعة ، والسفينة إذا كانت في لجة البحر فمات صاحب السفينة في القياس تبطل الإجارة فيهما ولكن في الاستحسان لا تبطل للحاجة إلى دفع الضرر فإن مثل هذه الحاجة لا تعتبر لإثبات عقد الإجارة ابتداء حتى لو مضت والزرع بقل بعقد بينهما عقدت الإجارة إلى وقت الإدراك لدفع الضرر فلأن يجوز إبقاء العقد لدفع هذا الضرر أولى والمستحسن من القياس لا يورد نقضا على القياس إذا عرفنا هذا فنقول رجلان أجرا دارا ، ثم مات أحدهما فالعقد ينتقض في حصته فإن رضي الوارث وهو كبير أن تكون حصته على الإجارة ورضي به المستأجر فهو جائز ; لأن هذا عقد بينهما في حصته بالتراضي ، وذلك جائز ، وإن كان مشاعا ; لأنه يؤاجر من شريكه ففي نصيب الحي منهما العقد باق ; لما بينا أن الشيوع الطارئ لا يرفع الإجارة إلا زفر رحمه الله ; فإنه سوى بين الشيوع الطارئ والمقارن فقال بموت : أحدهما تبطل الإجارة فيهما ، وكذلك لو مات أحد المستأجرين فبطلان العقد في نصيب الآخر بيننا وبين زفر رحمه الله على الخلاف وقد بينا رواية فيه عن أبي حنيفة رحمه الله كقول زفر رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية