الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
رجل دفع أرضه إلى رجل يغرس فيها شجرا على أن تكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك ; لأنه يكون مشتريا نصف الغراس منه بنصف الأرض والغراس مجهول فلا يصح ذلك هكذا ذكره بعض مشايخنا رحمهم الله . فأما الحاكم رحمه الله في المختصر يقول تأويل المسألة عندي أنه جعل نصف الأرض عوضا عن جميع الغراس ونصف الخارج عوضا لعمله فعلى هذا الطريق يقول اشترى العامل نصف الأرض بجميع الغراس وهي مجهولة فكان العقد فاسدا فإن فعل فالشجر لرب الأرض ; لأن العقد في الشجر كان فاسدا ومذرعته في أرضه بأمره فكأن صاحب الأرض فعل ذلك بنفسه فيصير قابضا للغراس باتصاله بأرضه مستهلكا بالعلوق فيجب عليه قيمة الشجر وأجر ما عمل ; لأنه ابتغى من عمله عوضا وهو نصف الخارج ولم ينل ذلك فكان عليه أجر مثله .

فإن ( قيل ) كان ينبغي على قول أبي حنيفة رحمه الله أن يكون نصف الأرض للعامل ; لأنه اشترى نصف الأرض شراء فاسدا ومن اشترى نصف الأرض شراء فاسدا غرس فيها أشجارا فإنه ينقطع فيها حق البائع في الاسترداد عند أبي حنيفة رحمه الله ( قلنا ) هذا أنه لو غرس الأشجار لنفسه وهنا العامل في الغرس يقوم مقام رب الأرض ويعمل له بالأجر فكأن رب الأرض عمل ذلك بنفسه ; فلهذا لا يملك العامل شيئا من الأرض ، وإنما اختار هذا التأويل لإمكان إيجاب أجر العمل فإنه لو جعل مشتريا نصف الغرس كان عاملا فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الأجر فلذلك ألزمه قيمة الغرس حين علقت ، ولو كان مشتريا للنصف لكان يلزمه نصف قيمة الغرس حين علقت ونصف قيمة الشجر وقت الخصومة ; لأنها أشجار مشتركة بينهما في أرض أحدهما .

فإنما يتملك صاحب الأرض نصيب صاحبه عليه [ ص: 35 ] بالقيمة في الحال ، ثم قال ولا آمره بقلع الأشجار لما يدخل به من الفساد عليهما وبظاهر هذا يتمسك من يختار الطريقة الأولى أنه يكون مشتريا نصف الغرس ; لأنه أشار إلى أن الأشجار تكون مشتركة ، ولكنه لا يقلع لما يدخل به من الفساد عليهما .

قال الحاكم رحمه الله تأويل هذا اللفظ فساد القلع على رب الأرض وضياع عمل الأجير بالقلع وبطلان حقه في الأجر ، ولو كان قد أكل الغلة على هذا حسب على الغارس ما أكل من أجره ; لأن الشجرة ملك رب الأرض ، وإنما يملك الثمر بملك الشجر فما أكله العامل من ذلك يكون محسوبا عليه من أجره .

( قال ) رضي الله عنه والأصح عندي أن يقال في تقليل هذه المسألة إن صاحب الأرض استأجره ليجعل أرضه بستانا بآلات نفسه على أن يكون أجره بعض ما يحصل بعمله وهو نصف البستان فهو كما لو استأجر صباغا ليصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ ، وذلك فاسد ; لأنه في معنى قفير الطحان ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ; لأن الغرس آلة تصير الأرض بها بستانا كالصبغ للثوب . فإذا فسد العقد بقيت الآلة متصلة بملك صاحب الأرض وهي متقومة فيلزمه قيمتها كما يجب على صاحب الثوب قيمة ما زاد الصبغ في ثوبه إلا أن الغراس أعيان تقوم بنفسها فلا يدخل أجر العمل في قيمتها فيلزمه مع قيمة الأشجار أجر مثل عمله ; لأنه أبقى من عمله عوضا ولم يسلم له ذلك فيستوجب أجر المثل ، ولو دفع الغزل إلى حائك لينسجه بالنصف فهو فاسد ; لأنه في معنى قفيز الطحان ، وقد بينا اختلاف المشايخ رحمهم الله فيه ، وكذلك حمل الطعام في سفينة ، أو على دابة بنصفه غير جائز ، وهذا ; لأنه لو جاز صار شريكا بأول جزء من العمل يقع على العامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب الأجر . فإذا لم يصح العقد لم يملك شيئا من المعمول فبقي عمله مسلما إلى صاحبه بعقد فاسد فله أجر مثله لا يجاوز به نصف ذلك لتمام رضاه بذلك القدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية