الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وينبغي للقاضي أن يقدم النساء على حدة والرجال على حدة ; لأن الناس يزدحمون في مجلسه ، وفي اختلاط النساء مع الرجال عند الزحمة من الفتنة والقبح ما لا يخفى ، ولكن هذا في خصومة يكون بين النساء . فأما الخصومة التي تكون بين الرجال والنساء لا يجد بدا من أن يقدمهن مع الرجال ، وأن يجعل لكل فريق يوما على قدر ما يرى من كثرة الخصوم فلا بأس بذلك ; لأنه إذا تركهم يزدحمون على بابه وربما يقتتلون على ذلك ، وفيه من الفتنة ما لا يخفى فيجعل ذلك مناوبة بينهم بالأيام ليعرف كل واحد يوم نوبته فيحضر عند ذلك والخصاف رحمه الله ذكر في أدب القاضي أن الأولى أن يجعل ذلك على الرقاع فيجزئ الخصوم أجزاء ويكتب باسم كل فريق رقعة ، ثم يخرج الرقاع على الأيام للسبت والأحد إلى آخره ، وذلك حسن ، ولكن محمدا رحمه الله اختار في الكتاب أن يقدم الناس على منازلهم الأول فالأول ولا يبتدئ بأحد جاء قبله غيره وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { سبقك بها عكاشة } ، وهذا ; لأن الذي جاء أولا استحق النظر في حجته أن لو كان القاضي جالسا عند ذلك فتأخر جلوس القاضي لا يغير استحقاقه ولا يبطل بحضور غيره ; فلهذا تقدمه عملا بقوله تعالى { ويؤت كل ذي فضل فضله } قال ويضع على ذلك أمينا من قبله يقدمهم إليه ; لأنه لا يتمكن من تعرف ذلك بنفسه لكثرة أشغاله ، وفيما يعجل القاضي عن مباشرته يستعين بأمين من أمنائه وينبغي أن يبتكر ذلك الأمين إلى باب مجلس القاضي ليعلم منازل الناس في الحضور فلعلهم يكذبون في ذلك ، أو أن يلبسون عليه ، وإنما يجعل على ذلك أمينا لا يطمع ولا يرتشي فإن ذلك من عمل القضاة فكما لا يطمع هو فيما يقضي . فكذلك [ ص: 81 ] ينبغي أن يكون أمينه .

قال رحمه الله وكان شيخنا الإمام رحمه الله يقول قد جرى الرسم في زماننا أن البواب على باب مجلس القضاء يأخذ من كل خصم قطعة ليمكنه من الدخول والقاضي يعلم ذلك ولا يمنعه منه ، وفيه فساد عظيم فليس لأحد أن يمنع أحدا من دخول المسجد ولا من أن يتقدم إلى القاضي في حاجته فهو يرتشي ليكف ظلمه عنه ويمكنه مما هو مستحق له والقاضي يعلم ذلك ولا يمنع منه فهو بمنزلة ما لو علم أن أمينه يشرب الخمر ، أو يزني على بابه فلا يمنعه عن ذلك ، وإن رأى أن يجعل الغرباء مع أهل المصر فعل ، وإن رأى أن يبدأ بهم فلا يضره ذلك بعد أن تكون الغرباء غير كثير فإن كثروا في كل يوم فشغلوه عن أهل المصر قدمهم على منازلهم مع الناس ، وقد بينا أن الغريب على جناح السفر فربما يضر التأخير به وقلبه مع أهله . فإذا لم يقدمه القاضي ربما ترك حقه ورجع إلى أهله ، وقد أمر بتعاهد الغريب تعظيما لحق غربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فلهذا كان له أن يقدم الغرباء ، ولكن بشرط أن لا يضر بأهل المصر ضررا فإنهم جيرانه ، وإنما يقلد القضاء لينظر في حوائجه .

فإذا كان تقديم الغرباء يضر بأهل المصر قدمهم على منازلهم عملا بقوله صلى الله عليه وسلم { لا ضرر ولا ضرار في الإسلام }

التالي السابق


الخدمات العلمية