الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وفي التسليم روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله : إحداهما : أنه يسلم بعد الإمام ليكون تحلله بعد تحلل الإمام . والأخرى : أنه يسلم مع الإمام كسائر الأفعال ، وإذا سلم الإمام ففي الفجر والعصر يقعد في مكانه ليشتغل بالدعاء ; لأنه لا تطوع بعدهما ولكنه ينبغي أن يستقبل القوم بوجهه ولا يجلس كما هو مستقبل القبلة ، وإن كان خير المجالس ما استقبلت به القبلة للأثر المروي : { جلوس الإمام في مصلاه بعد الفراغ مستقبل القبلة بدعة } { وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر استقبل أصحابه بوجهه وقال هل رأى أحد منكم رؤيا فيه بشرى بفتح مكة } ، ولأنه يفتتن الداخل بجلوسه مستقبل القبلة ; لأنه يظنه في الصلاة فيقتدي به ، وإنما يستقبلهم بوجهه إذا لم يكن بحذائه مسبوق يصلي ، فإن كان فلينحرف يمنة أو يسرة ; لأن استقبال المصلي بوجهه مكروه ، لحديث عمر رضي الله تعالى عنه فإنه رأى رجلا يصلي إلى وجه رجل فعلاهما بالدرة وقال للمصلي أتستقبل الصورة ؟ وقال للآخر أتستقبل المصلي بوجهك ؟

فأما في صلاة الظهر والعشاء والمغرب يكره له المكث قاعدا ; لأنه مندوب إلى التنفل بعد هذه الصلوات ، والسنن لجبر نقصان ما يمكن في الفرائض فيشتغل بها وكراهية القعود في مكانه مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر رضي الله تعالى عنهم ولا يشتغل بالتطوع في مكان الفريضة للحديث المروي : { أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر بسبحته أي بنافلته } ، ولأنه يفتن به الداخل أي يظنه في الفريضة فيقتدي به ولكنه يتحول إلى مكان آخر للتطوع استكثارا من شهوده ، فإن مكان المصلي يشهد له يوم القيامة والأولى أن يتقدم المقتدي ويتأخر الإمام ليكون حالهما في التطوع [ ص: 39 ] خلاف حالهما في الفريضة ، فإن كان الإمام مع القوم في المسجد ، فإني أحب لهم أن يقوموا في الصف إذا قال المؤذن حي على الفلاح ، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام والقوم جميعا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ، وإن أخروا التكبير حتى يفرغ المؤذن من الإقامة جاز وقال أبو يوسف رحمه الله لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة وقال زفر إذا قال المؤذن مرة قد قامت الصلاة قاموا في الصف ، وإذا قال ثانيا كبروا وقال : لأن الإقامة تباين الأذان بهاتين الكلمتين فتقام الصلاة عندها وأبو يوسف ، احتج بحديث عمر رضي الله تعالى عنه فإنه بعد فراغ المؤذن من الإقامة كان يقوم في المحراب ويبعث رجالا يمنة ويسرة ليسووا الصفوف فإذا نادوا استوت كبر ولأنه لو كبر الإمام قبل فراغ المؤذن من الإقامة فات المؤذن تكبيرة الافتتاح فيؤدي إلى تقليل رغائب الناس في هذه الأمانة ، وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله استدلا بحديث بلال حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { مهما سبقتني بالتكبير ، فلا تسبقني بالتأمين } .

فدل على أنه كان يكبر بعد فراغه من الإقامة ولأن المؤذن بقوله قد قامت الصلاة يخبر بأن الصلاة قد أقيمت ، وهو أمين فإذا لم يكبر كان كاذبا في هذا الإخبار فينبغي أن يحققوا خبره بفعلهم لتحقق أمانته وهذا إذا كان المؤذن غير الإمام ، فإن كان هو الإمام لم يقوموا حتى يفرغ من الإقامة ; لأنهم تبع للإمام وإمامهم الآن قائم للإقامة لا للصلاة وكذلك بعد فراغه من الإقامة ما لم يدخل المسجد لا يقومون فإذا اختلط بالصفوف قام كل صف جاوزهم حتى ينتهي إلى المحراب وكذلك إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد يكره لهم أن يقوموا في الصف حتى يدخل الإمام لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا تقوموا في الصف حتى تروني خرجت } ، وإن عليا رضي الله تعالى عنه دخل المسجد فرأى الناس قياما ينتظرونه فقال مالي أراكم سامدين أي واقفين متحيرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية