الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا سلم الرجل إلى رجل ثوبا في كر حنطة ، وفيه المسلم إليه ، ثم إن المسلم إليه سلم ذلك الثوب إلى آخر ، ثم صالحه الأول على رأس المال ، ثم صالح الثاني الثالث على رأس ماله فرد عليه الثوب لم يرده على الأول ويأخذ منه الأول قيمته ; لأن الأول صالحه على رأس المال والثوب خارج عن ملكه فيجب عليه بهذا الصلح رد قيمته ، ثم عاد إليه الثوب بملك مستقبل في حق الأول على ما عرف على أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين ، بيع جديد في حق غيرهما ، وفي حق الأول عاد الثوب بملك [ ص: 48 ] مستقبل فلهذا يأخذ قيمته ، ولا سبيل له على عينه كما لو اشتراه الثاني من الثالث ، فإن اصطلحا كان له ذلك ; لأن رأس ماله بعينه ، وهو عائد إليه بطريق الفسخ في حقه ، وإنما جعل الإقالة بمنزلة البيع الجديد في حق غيره لدفع الضرر ، فإذا وقع التراضي عليه فقد اندفع الضرر فهذا لأن الاستبدال إنما لا يجوز لما فيه من أخذ رأس المال ، وغيره المسلم وذلك لا يوجد هنا ، فإنما يأخذ رأس ماله بعينه ، وإن كان عوده إليه بحكم ملك جديد ، وهذا لأن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين لتراضيهما عليه ، وإذا رضي الأول بذلك كان فسخا في حقه أيضا .

وهذا بخلاف ما إذا قضى القاضي له بالقيمة قبل أن يصالح الثاني مع الشك ; لأن حقه هناك تقرر في القيمة بقضاء القاضي ، فلا يعود في العين بعد ذلك وإذ قدر على رده ، وفي الأول لم يتقرر حقه في القيمة بقضاء القاضي فيعود التعين إذا وقع التراضي عليه كما في المغصوب الآبق إذا عاد ; لأن هناك بعد قضاء القاضي لو اصطلح على أخذ العبد جاز بطريق أنه بدل عن القيمة التي قضى بها القاضي وهنا لا يجوز ; لأن القيمة التي قضى بها القاضي رأس مال السلم والاستبدال برأس المال بعد الإقالة لا يجوز بالتراضي ، وكذلك لو كان الأوسط قبل الثوب بغير حكم بعيب بعد الصلح الأول أو قبله ; لأن قبوله بالعيب حكم بمنزلة الإقالة ، ولو رد عليه بعيب بقضاء قاض ، ثم ناقض الأقل رده بعينه ; لأن الرد بقضاء القاضي فسخ من الأجل ، أعاد إليه الثوب على الملك الذي كان له قبل ملك الثاني فهو وما لو صالح الأول على رأس المال قبل العقد الثاني سواء ، ولو كان ناقضه السلم قبل أن يرد عليه الثوب فقضى له بقيمته ، ثم رد الثوب عليه بعيب بقضاء القاضي كان عليه قيمته بسبب المناقضة ; لأن القيمة تقررت عليه بقضاء القاضي ، فلا يسقط عنه بعود رأس المال إليه بعد ذلك على أي وجه عاد ولكن الثوب رد عليه بالعيب بسبب هو فسخ من الأصل فيكون له أن يرده بالعيب على بائعه ويأخذ قيمته ، وإنما رده بالعيب لدفع الضرر عنه ، وأخذ القيمة لأن مناقض السلم عقد الرد فبطل ، ولما صار رأس المال هو القيمة التي قبضها بقي هنا الثوب ثوبا بنفسه أن يسلم إليه على رد السلم ، وقد تعذر رده إليه سليما فيلزمه قيمته كما في الصداق إذا رد بعيب فاحش يؤخذ قيمته من الزوج .

ولو كان وهبه ، ثم اشتراه أو ورثه ، ثم أقاله السلم كان عليه قيمة الثوب ; لأنه عاد إليه الثوب بملك متجدد بالشراء ، وفي الوراثة كذلك ; لأن الوارث يخلف المورث في الملك والملك الذي كان للمورث كان ملكا متجددا سوى المستفاد بعقد السلم فيخلفه الوارث في ذلك الملك ، واختلاف سبب الملك باختلاف العين ; لأنه [ ص: 49 ] عاد إليه عين آخر فلهذا لزمه عند الإقالة قيمة الثوب ، ولو رجع في الهبة ، ثم ناقضه السلم رد عليه بعيبه ; لأن الرجوع فسخ الهبة سواء حصل بقضاء أو بغير قضاء ، وإنما يعود إليه الملك الذي كان قبل الهبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية