الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا وجب القصاص على رجل فقتله ولي الدم بسيف ، أو عصا ، أو وقع في بئر حفرها في الطريق أو عثر بحجر وضعه في الطريق لم يكن عليه في ذلك شيء ; لأن دم من عليه القصاص في حق من له القصاص كالمباح فإن الدم لا يملك ، وإنما يتمكن من استيفاء القصاص بطريق الإباحة وذلك يمنع وجوب الضمان عليه إذا صار قاتلا له بالمباشرة ، أو بالسبب ، يوضحه أن هذا بمنزلة استيفاء القصاص منه ، وإن لم يكن بطريقه ; لأن استيفاء القصاص بفعل يتصل به زهوق الروح ، وقد وجد ذلك منه بطريق التسبب ، أو بطريق المباشرة .

فإن كان له وليان فعفا أحدهما ، ثم أصابه هذا الأحد بعد العفو فعلى عاقلته الدية في جميع ذلك إلا بالسيف فإنها في ماله ; لأن القود سقط بعفو أحدهما وصار في حكم القتل الموجب للمال عليه كأن ما سبق لم يكن ، فإذا أخذ الدية أولياء القتيل خطأ رجع هذا القاتل خطأ بنصف الدية التي أخذها أولياء المقتول خطأ ; لأنه بعفو شريكه انقلب نصيبه مالا وكان ذلك في ذمة القاتل وبدل نفسه بمنزلة تركته فيستوفى منه ما كان واجبا له في ذمته ولا مقاصة هاهنا لاختلاف المحل ، فإن بدل نفسه على عاقلة ولي الدم [ ص: 164 ] الذي لم يعف ، ولو قتله غير الولي بغير أمر الولي عمدا ، أو خطأ بطل دم الأول ولا شيء لوليه ويكون على القاتل الآخر القصاص في العمد ، والدية على عاقلته في الخطأ ; لأن حرمة نفسه في حق غير الولي قائمة كما كانت وسقط حق المولى لفوات محله .

وقد بينا أن الثابت في حقه إباحة الاستيفاء أو الملك في حق الاستيفاء خاصة وذلك لا يتحول إلى البدل كملك الزوج في زوجته لا يثبت فيه البدل إذا وطئت بالشبهة ، وإذا قتله فقال الولي أنا كنت أمرته ، فإن أقام بينة على هذا فلا شيء على القاتل الثاني ; لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ، فإن لم يكن له بينة فعليه القصاص في العمد ، والدية على عاقلته في الخطأ ; لأنه أقر بما لا يملك استيفاءه ; لأن حقه قد سقط لفوات المحل ، فهو فيما يدعي بعد ذلك كأجنبي آخر ، وبدل نفس المقتول الثاني واجب لورثته لا قول لولي الأول في إسقاط حقهم قصاصا كان ، أو مالا والله أعلم بالصواب

التالي السابق


الخدمات العلمية