الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، وإذا غصب الرجل الصبي الحر فذهب به ، فهو ضامن له إن قتل أو أصابه حجر ، أو أكله سبع ، أو تردى من حائط عندنا استحسانا وفي القياس لا شيء عليه ، وهو قول زفر والشافعي وجه القياس أن ضمان الغصب يختص بما هو مال متقوم ، والصبي الحر ليس بمال متقوم فلا يضمن بالغصب كالميتة ، والدم ، والدليل عليه أنه لو مات حتف أنفه أو أصابته حمى فمات ، أو مرض فمات أو خرجت به قرحة فمات لم يضمن الغاصب شيئا بالاتفاق ، والدليل عليه أنه لو غصب مكاتبا صغيرا فمات في يده ببعض هذه الأسباب لم يضمن الغاصب شيئا ، فالحر أولى ، وكذلك لا يضمن أم الولد بالغصب ، وإن تلفت بهذه الأسباب ; لأنه لم يبق لرقها قيمة فلأن لا يضمن الحر بهذه الأسباب كان أولى .

وحجتنا في ذلك أنه سبب لإتلافه بغير حق ، والمسبب إذا كان متعديا في سبب ، فهو ضامن ، والدية على عاقلته كحافر البئر وواضع الحجر في الطريق وبيان الوصف أنه أزال يد حافظه عنه في حال حاجته إلى الحفظ ولم يقم بحفظه بنفسه فكان مسببا لإتلافه ، وهو متعد في ذلك ; لأنه ممنوع شرعا من إزالة يد حافظه ومعنى قولنا إن لم يقم بحفظه بنفسه ; لأنه تلف بأمر يمكن التحرز عنه بخلاف ما إذا مات ; لأن ذلك لا يستطاع الامتناع عنه فلا يكون دليلا على تركه الحفظ ، أو على أنه كان سببا لإزالة حافظه عنه فأما التردي من الحائط ونهش الحية وإصابة الحجر فإنه يمكن التحرز عنه في الجملة وبهذا تبين أن هذا الضمان ضمان جناية لا ضمان غصب ، والحر يضمن بالجناية تسبيبا كان ، أو مباشرة وهذا بخلاف المكاتب ; لأنه في يد نفسه صغيرا كان ، أو كبيرا ، فهو بفعله ما حال بينه وبين نفسه وبخلاف أم الولد فإنها تقوم بحفظ نفسها فلا يكون هو جانيا بإزالة الحفظ عنها ; فلهذا لا يضمن نقصها ولو قتل الصبي في يد الغاصب رجلا فليس على الغاصب في ذلك شيء ; لأنه لم يأمره بالقتل ، ولكنه أنشأ القتل باختياره فلو ثبت للعاقلة حق الرجوع على الغاصب كان ذلك باعتبار يده على الصبي ، والحر لا يضمن باليد ، وكذلك لو قتل الصبي نفسه في يد الغاصب فلا شيء على الغاصب كما لو قتل غيره ، وعلى قول أبي يوسف تجب ديته على عاقلة الغاصب ; لأنه تلف بسبب يمكن حفظه من ذلك السبب عادة ، فهو كما لو نهشته حية .

التالي السابق


الخدمات العلمية