الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أن ذميا أسلم ووالى رجلا ، ثم جنى جناية خطأ فلم يقض بها القاضي على العاقلة بشيء حتى أبرأ أولياء المجني عليه الجاني من الجناية فللجاني أن يتحول بولائه عن الذي والاه ; لأن بإبرائه سقط موجب الجناية ولم يجب شيء على الذي والاه ; لأن الوجوب عليه بقضاء القاضي ولو كان الإبراء بعد ما قضى القاضي على العاقلة بالدية لم يكن له أن يتحول بولائه ; لأن بقضاء القاضي وجبت الدية على العاقلة لتأكد الولاية ، ثم بسقوطه عن العاقلة بالإبراء وسقوطه بالاستيفاء سواء ومعنى هذا الفرق أن موجب الجناية قبل القضاء على الجاني فالإبراء يكون إسقاطا عن العاقلة ، وهذا بخلاف ما تقدم إذا لم يوجد الإبراء ولا القضاء حتى تحول بولائه إلى غيره ; لأن هناك موجب الجناية الأولى الباقية ، فإنما يقضي القاضي به على عاقلة الأولى فلا يمكن أن يتحول حتى لو كان أقر الجاني بالجناية كان له أن يتحول سواء قضى بها عليه في ماله أو لم يقض ; لأنه موجب الجناية الثانية بإقراره يكون عليه [ ص: 142 ] لا على عاقلته فلم يوجد في حق العاقلة ما يتأكد به الولاء ولم يجن ولكنه التحق معهم في ديوانهم فجنى بعضهم فعقل عنه معهم لم يكن له أن يتحول بولائه عنهم ; لأن الذي والاه ليس له أن يحوله إذا عقل عنهم فكذلك لا يكون له أن يتحول عنهم .

( ألا ترى ) أن المولى بعد ما عقل عنه لم يكن له أن يبرأ من ولائه كما ليس له أن يتحول بالولاء عنه ، وقد كان قبل العقل لكل واحد منهما ذلك ، فإذا لم يكن لأحدهما أن يتحول بعد عقل الجناية لم يكن للآخر أن يحوله أيضا ولو أخذ معهم العطاء ولم يعقل عنهم كان له أن يتحول عنهم ; لأن بأخذ العطاء لا يتأكد حكم الولاء بينه وبينهم إنما يتأكد ذلك بعقل الجناية اعتبارا لولاء الموالاة ، فإن ذلك إنما يتأكد بعقل الجناية حتى إن عقل عقل الجناية لكل واحد منهما أن يتحول بولائه وليس له ذلك بعد عقل الجناية من جانب واحد أو من جانبين ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية