الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن زال تغير النجس لا بكثرة مطلق فاستحسن الطهورية وعدمها أرجح )

                                                                                                                            ش : يعني أن الماء إذا تغير بالنجاسة ثم زال تغيره فلا يخلو إما أن يكون بمكاثرة ماء مطلق خالطه أم لا فالأول طهور باتفاق قاله في التوضيح وذلك كالبئر ينزح منها حتى يزول التغير وكالصهريج يتغير بميتة فيترك حتى يكثر ماؤه بمطر ونحوه وقد جهل أبو محمد بعضهم في قوله في ماجل قليل الماء وقعت فيه فأرة يطين حتى يكثر ماؤه .

                                                                                                                            ثم يشرب قال : فإن فعل شرب وتجهيله في تأخير طرحه والثاني إما أن يكون بإلقاء شيء فيه غير الماء ولم يذكره المصنف وسيأتي حكمه أو من نفسه فلا شيء ومنه ما إذا نزع من الماء الذي لا مادة له بعضه فزال تغيره فذكر المصنف تبعا لابن الحاجب وابن شاس وابن بشير وغيرهم في طهوريته قولين استحسن بعض الشيوخ القول بالطهورية ورجح ابن يونس عدم الطهورية فاعترض عليه ابن غازي فيما ذكره عن ابن يونس وفي التوضيح بأنه لم يوجد في كلامه إلا الكلام على حكم زوال النجاسة إذا زال عينها بالماء المضاف وسيأتي .

                                                                                                                            وذكر ابن مرزوق في شرحه على المختصر نحو ذلك وقال ما معناه : إن المصنف إن حمل كلام ابن يونس على نفس ما نحن فيه فهو وهم وإن أراد أن يقيسه عليه فبعيد وقد رأيت من كلام ابن مرزوق شرح الفصلين الأولين من المختصر وفيه نحو ما ذكره ابن غازي وقال ابن غازي لم يعرف ذلك الإمام ابن عرفة من نقل ابن يونس ولا غيره ممن قبل ابن بشير فقال : وقول ابن بشير في طهورية النجس يزول بغيره بلا نزح قولان لا أعرفه فبقي وجدان القولين معا في المذهب وإن كان لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود ولا يلتفت لما حكى الشيخ أبو زيد القابسي من رد بعضهم على ابن عرفة يقول ابن يونس : لأن الراد مقلد لخليل في نقله كالشارح نعم أغفل ابن عرفة ما ذكر ابن رشد في رسم القسمة من سماع عيسى وذكر بعض كلام ابن رشد ولنأت بأكثر مما يتضح به المقصود .

                                                                                                                            قال : وسئل ابن وهب عن الجب من ماء السماء تموت فيه الدابة وتنشق والماء كثير لم يتغير منه إلا ما كان قريبا منها فلما أخرجت وحرك الماء ذهبت الرائحة هل يتوضأ به ويشرب ؟ قال : إذا خرجت الميتة فلينزح منه حتى يذهب دسمها والرائحة واللون إن كان به لون إذا كان الماء كثيرا على ما وصفت طاب إذا فعل ذلك به قال ابن القاسم : لا خير فيه ولم أسمع مالكا رخص فيه قط ابن رشد قول [ ص: 85 ] ابن وهب هو الصحيح على أصل مذهب مالك الذي رواه المدنيون عنه أن الماء لا ينجسه إلا ما غير أحد أوصافه على ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في بئر بضاعة .

                                                                                                                            وقد روى ابن وهب وابن أبي أويس عن مالك في جباب تحفر بالمغرب فتسقط فيها الميتة فيتغير لون الماء وريحه ثم يطيب بعد ذلك أنه لا بأس به انتهى ، فظهر وجود القولين أحدهما قول ابن القاسم فيما نزح بعضه فأحرى إذا لم ينزح منه شيء لأنه لم يعتبر ذهاب التغير مع النزح كان عدم اعتباره مع النزح أولا بناء على أن المعتبر مخالطة المغير فيجب بقاء حكمه وإن زال التغير والثاني رواية ابن وهب وابن أبي أويس وقد صححه ابن رشد وهو الذي ارتضاه صاحب الطراز وشيخه أبو بكر الطرطوشي بضم الطاءين وبينهما راء قال في الطراز : ولقد عاينت في صهريج دار الشيخ أبي بكر هرا قد انتفخ وتزلع وتغير منه ريح الماء وطعمه ولونه فنزع الهر وترك الصهريج حتى ينزح فأقام شهرا ثم رفع منه الماء فإذا هو سالم الأوصاف فشرب ذلك الماء في داره وفيها ما يزيد على سبعين من أهل العلم وطلبته ولم ينزح منه دلو انتهى .

                                                                                                                            ولعل المصنف أشار إليهما بالاستحسان ثم إن كلامهما فيما لا مادة له ولم ينزح منه شيء فما له مادة أو نزح بعضه أولى بالطهورية وانظر ما الذي أنكره ابن عرفة هل القول بالطهورية أو القول بعدمها وليس في كلامه ما يدل على ذلك صريحا غير أن المتبادر من كلامه إنما هو إنكار القول بالطهورية كما يفهم ذلك من كلام ابن ناجي في شرح المدونة في الكلام على من توضأ بماء ماتت فيه دابة وكذا ذكر ابن الفاكهاني في شرح الرسالة القولين وشهر عدم الطهورية ونصه : وأما إن كان المخالط نجسا فإن غير أحد أوصاف الماء فلا خلاف في نجاسته قليلا كان أو كثيرا ما دام متغيرا فإن زال تغيره بعد فقولان : أحدهما أنه كالبول فلا ينتقل حكمه وهو المشهور والثاني أنه يرجع إلى أصله من الطهارة والتطهير وكذلك إن أزيل بعض الماء فسلمت أوصافه فالقولان انتهى وأما إن زال تغيره بإلقاء تراب فيه أو طين فقال في الطراز : إن لم يظهر فيه لون الطين ولا ريحه ولا طعمه وجب أن يطهر لزوال التغير وإن ظهر أحد أوصاف الملقى فالأمر محتمل ولم يجزم فيه بشيء ، قال ابن الإمام : والأظهر النجاسة عملا بالاستصحاب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية