الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( والاستنابة ، وقد تجب ) ش ، قال في المدونة : ولا يعجبني أن يلي أحد تفرقة صدقة ماله خوف المحمدة والثناء ، وعمل السر أفضل ولكن يدفع ذلك إلى رجل يثق به فيقسمه أبو الحسن ، قال صاحب التقريب : لا أحب ، وهذا بين أن لا يعجبني على معنى الكراهة وأراد خوف قصد المحمدة ، ولو جزم أنه قصد المحمدة لصرح بالمنع ، ولو جزم أنه يسلم من ذلك لصرح بالجواز ، انتهى . ولا بد أن يكون عالما بأحكامها ومصرفها وإلا وجب عليه أن يعلم ذلك أو يستنيب من يعلم ذلك .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال عياض في قواعده : من آداب الزكاة أن يسترها عن أعين الناس ، قال ، وقد قيل : الإظهار في الفرائض أفضل ، قال شارحه : قال ابن بطال : لا خلاف بين أئمة العلم أن إعلان صدقة الفرض أفضل من إسرارها ، وأن الإسرار بصدقة النوافل أفضل من إعلانها ، ثم ذكر عن ابن عطية وغيره خلافا في صدقة الفرض لكن ضعف القول بإسرارها ، ثم قال : وما بدأ به المؤلف هو القول المرجوح المطعون عليه ، وإنما قدمه ; لأنه مذهب مالك ، انتهى . وقال الشيخ زروق في شرح القرطبية : فأما سترها فمستحب لما يعرض من الرياء ، إلا أن يكون الغالب على الناس تركها فيستحب الإظهار للاقتداء ، انتهى . وهذا عكس ما قال ابن عطية على ما نقل القباب فإنه قال كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء ، انتهى . وهذا - والله أعلم - يختلف باختلاف الأحوال فمن أيقن بسلامته من الرياء وحسن قصده في الإظهار استحب له ذلك ، ومن غلب عليه خوف الرياء استحب له الإسرار ومن تحقق وقوع الرياء وجب عليه الإخفاء والاستنابة ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) عن عياض في آدابها أيضا دفعها باليمين ، وقال : يستحب للمصدق والإمام الدعاء والصلاة على دافعها ، انتهى . ونحوه في القرطبية وغيرها ، وفي الذخيرة : ولا يجب على الساعي الدعاء لمن أخذ منه الصدقة خلافا لداود واستحبه الشافعي ، انتهى . وفي الجواهر : ولا يجب على الإمام ولا على نائبه أن يدعو لصاحب الصدقة إذا أخذها منه لكن يندب إلى ذلك ، انتهى .

                                                                                                                            ( فائدة ) قال في التمهيد في شرح الحديث الثاني عشر لزيد بن أسلم ، لما أن { قال الأعرابي لرسول صلى الله عليه وسلم إنك لتعطي من شئت } يحتمل أن يكون هذا من الأعراب الجفاة الذين لا يدرون حدود ما أنزل الله على رسوله ، وفي هذا الحديث دليل على ما قال مالك : إن من تولى تفريق الصدقات لم يعدم من يلومه ، قال [ ص: 354 ] وقد كنت أتولاها بنفسي فأوذيت فتركت ذلك ، انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) قال سند في الكلام على مصرف الزكاة : من دفعت إليه زكاة ليفرقها في أهلها ، وكان هو من أهلها جاز أن يأخذ منها بالمعروف ، قال مالك : من أعطى مالا في خروجه لحج أو غزو ليصرفه على من قطع به فقطع به فليأخذ منه بالمعروف وهو بين ; لأن علة الاستحقاق قائمة فلا فرق بينه وبين غيره من المستحقين ، انتهى . وما ذكره في الموازية نحوه في النوادر في كتاب الزكاة وفي كتاب الحج الثاني فيمن بعث معه جزاء أو فدية أو جزاء صيد أنه لا يأكل منه ، قال : إلا أن يكون الرسول مسكينا فجائز أن يأكل ، قال في الطراز في شرحه : ونظيره الكفارة والزكاة تدفع لبعض المساكين يفرقها على المساكين فله أن يأخذ نصيبه منها بالعدل ، انتهى . وقال أبو الحسن الصغير : يؤخذ من شرح هذه المسألة أن من أعطيت له صدقة يفرقها أنه يجوز له أن يأخذ مقدار حظه إذا كان مسكينا ، وهي مسألة فيها قولان وسببهما الوكيل ، هل هو معزول عن نفسه أم لا ؟ وهل المأمور بالتبليغ داخل تحت الخطاب أم لا ؟ ويقوم منه أن من جعل ماله في العطاش أنه يشرب منه إن عطش ، انتهى . وفي رسم البرزلي من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات ابن رشد أجاز لمن بعث معه بمال في غزو أو حج ليفرقه على المنقطعين أن يأخذ منه إذا احتاج بالمعروف ، والمعروف أن لا يحابي نفسه فيأخذ أكثر مما يعطي غيره ، واستحب له إن وجد من يسلفه أن يتسلف ولا يأخذ منه شيئا ، واستحب له إذا رجع أن يعلم ربه بذلك فإن لم يمضه وجب غرمه له ، وإن فات لم يمكنه إعلامه لم يكن عليه أن يتحاشى منه ; لأنه أجاز له الأخذ ابتداء ، وإن قال صاحبه : " إن احتجت فخذ " جاز له أن يأخذ باتفاق مثل ما يعطي غيره ، ولا يجوز له أن يأخذ لنفسه أكثر إلا أن يعلم أن صاحب المال يرضى بذلك ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) تقدم عند قول المصنف أو فك أسيرا أنه لو افتقر صاحب الزكاة لم يعط منها ، ونقله اللخمي أيضا عن محمد بن عبد الحكم بإثر الفرع المتقدم أعني من أخرج زكاته فلم تنفذ حتى أسر ، فقال : قال محمد بن عبد الحكم : لا بأس أن يفدى منها ، ولو افتقر لم يعط منها .

                                                                                                                            ( فرع ) وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس فيمن حبس على ذوي الحاجة أنه يعطى منها ورثته إن احتاجوا ، والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية