الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإنما تدفع لحر مسلم فقير )

                                                                                                                            ش : ختم الباب ببيان مصرف زكاة الفطر ، فقال : وإنما تدفع لحر مسلم فقير يعني أنه يشترط فيمن تدفع له زكاة الفطر ثلاثة شروط : ( الأول ) الحرية ، ( والثاني ) الإسلام ، ( والثالث ) الفقر ولا خلاف في ذلك عندنا فلا تدفع لعبد ولا لمن فيه شائبة ولا لكافر ولا لغني ، قال في المدونة : ولا يعطاها أهل الذمة ولا العبد ، قال أبو الحسن : يريد : ولا الأغنياء فإن أعطاها من لا يجوز له أخذها عالما بذلك لم يجزه ولا ضمان عليهم ، وإن لم يعلم نظر فإن كانت قائمة بأيديهم استرجعها ، وإن أكلوها وصانوا بها أموالهم ضمنوها ، وإن هلكت بسبب من الله نظر فإن غروا ضمنوا ، وإن لم يغروا لم يضمنوا ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) قال اللخمي : واختلف في صفة الفقير الذي تحل له فقيل : هو من تحل له زكاة العين ، وقال أبو مصعب لا يعطاها من أخرجها ولا يعطى فقير أكثر من زكاة إنسان وهو صاع ، وهذا هو الظاهر لقوله عليه السلام { أغنوهم عن طواف هذا اليوم } فالقصد غناء ذلك اليوم ، والقصد بما سواها من الزكاة ما يغنيه عما يحتاجه من النفقة والكسوة في المستقبل ، وقد قيل : يعطى ما فيه كفاف لسنة ، ولذا قيل : لا بأس أن يعطى الزكاة من له نصاب لا كفاية فيه ولا أعلمهم يختلفون أنه لا يعطى زكاة الفطر من يملك نصابا ، انتهى . فأول كلامه يخالف آخره لأن قوله " لا تحل له زكاة العين " يقتضي جواز دفعها لمالك النصاب ، وقال في آخر كلامه : لا أعلمهم يختلفون أنها لا تعطى لمن يملك نصابا إلا أن يقيد أول كلامه بآخره ، والظاهر من كلام ابن بشير أنه لم يعتبر ما قاله اللخمي آخرا فإنه قال : واختلف في صفة من يحل له أخذها على قولين : أحدهما - أنه من يحل له أخذ الزكاة ، والثاني - أنه الفقير الذي لم يأخذ منها في يومه ذلك ، وعلى الأول يجوز أن يعطى أكثر من صدقة إنسان واحد ، وعلى الثاني لا يجوز أن يأخذ أكثر من ذلك ، انتهى . ونحوه في الجواهر والذخيرة وهو ظاهر كلام ابن راشد في الباب الآتي ، وقال ابن عرفة : وفي كون مصرفها فقير الزكاة أو عادم قوت يومه نقل اللخمي ، وقال أبو مصعب : وخرج عليها إعطاؤها من ملك عبدا فقط ولا يتم إلا بعجز قيمته عن نصاب أو كونه محتاجا إليه ، انتهى .

                                                                                                                            فانظره فالذي تحصل من كلامهم أن الفقير الذي تصرف له الفطرة هو فقير الزكاة على المشهور على ما قاله الجماعة ، وقيل ما قاله اللخمي بأن لا يكون مالكا للنصاب ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال ابن الحاجب : ومصرفها مصرف الزكاة ، وقيل الفقير الذي لم يأخذ منها وعلى المشهور يعطى الواحد عن متعدد ، قال في التوضيح : ظاهر كلامه أنها تصرف في الأصناف الثمانية وليس كذلك فقد نص في الموازية على أنه لا يعطى منها [ ص: 377 ] من يليها ولا من يحرسها ، وظاهر كلامهم أنه لا يعطى منها المجاهدون ، وأكثر كلامهم أنها تعطى للفقراء والمساكين ، انتهى .

                                                                                                                            ونحوه لابن عبد السلام ، وقال الشارح في الكبير : ظاهر كلام الشيخ هنا أنها لا تعطى للمؤلفة قلوبهم ، ولو احتيج إليهم وهو أيضا ظاهر المدونة ، وإذا قلنا : إنهم كفار على ما تقدم ويعطى منها ابن السبيل إذا كان فقيرا بموضعه ، ولو كان غنيا ببلده لقوله عليه الصلاة والسلام { أغنوهم عن طواف هذا اليوم } ، وهذا إذا كان محتاجا لم يستغن عن ذلك وانظر ، هل يجوز أن يشتري منها الرقيق ، ويعتق إذا فضل عن حاجة فقراء بلدها أو لم يوجد به فقير أم لا وينقل ما فضل إلى غيرهم وهل يعطى الغارم منها أم لا ، وظاهر كلام ابن الحاجب إجازة جميع ذلك ; لأنه قال : ومصرفها كالزكاة أي فتصرف في الأصناف الثمانية ، واعترضه الشيخ خليل بما تقدم عن الموازية وغيرها ، وظاهر كلامه في المدونة أن المنع مقصور على أهل الذمة والعبيد والغني على تقييد أبي الحسن الصغير ، وأنه يجوز دفعها لغيرهم فانظره مع كلام الشيخ ، انتهى . كلام الشارح .

                                                                                                                            ( قلت ) : أما ما ذكره في ابن السبيل فلا إشكال فيه ; لأنه إنما أخذ حينئذ بوصف الفقر ، وأما لو كان معه ما يكفيه وهو محتاج إلى ما يوصله إلى بلده فظاهر كلام ابن عرفة المتقدم أو صريحه أنها لا تصرف له ، وأنها لا تصرف في شراء رقيق ولا لغارم وهو ظاهر كلام ابن عبد السلام والمصنف ، وكذلك قال ابن راشد في اللباب ، ونصه : والمخرج إليه من له أخذ الزكاة من الفقراء على المشهور ، وقيل : الفقير الذي لم يأخذ منها في يومه ، انتهى . قال في الجلاب : ولا تدفع إلا إلى حر مسلم فقير ، وأما كلام المدونة فليس فيه ما يقتضي صرفها لغير الفقير ، وأما كلام ابن الحاجب فمعترض كما تقدم ، وقد اعتمد الشارح في شامله على نحو ما ذكره هناك لكنه حكاه بقيل ، فقال ومصرفها حر مسلم فقير ، وقيل مصرف الزكاة وهو ظاهرها لا لغني وعبد ومؤلف ، انتهى . فأشار بقوله ، وقيل إلى ما قاله : إنه ظاهر كلام ابن الحاج فتأمله ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال الشارح في الكبير نبه المصنف بقوله " فقير " على أنها تدفع للمساكين من باب أولى لما علمت أنه على المذهب أنه أشد حاجة من الفقير ، انتهى . وما قاله ظاهر ، وقد تقدم في كلام التوضيح أنه قال : أكثر عباراتهم أنها تعطى للفقراء والمساكين وهكذا ، قال ابن عبد السلام ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) قال في الشامل : ولا بأس بدفعها لأهله الذين لا تلزمه نفقتهم على الأظهر وللمرأة دفعها لزوجها الفقير ولا يجوز له دفعها لها ولو كانت فقيرة ; لأن نفقتها تلزمه ومنع أيسر بعد أعوام لم يقبضها ، انتهى . ونقله الشيخ زروق في شرح الإرشاد .

                                                                                                                            ( الخامس ) الحديث المذكور - أعني قوله صلى الله عليه وسلم أغنوهم - يغني المساكين عن طواف هذا اليوم رواه البيهقي وابن سعد في الطبقات بهذا اللفظ ، وروي { أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم } ، وروي { أغنوهم في هذا اليوم } ، والله أعلم ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية