الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وفطر بسفر قصر )

                                                                                                                            ش : أي وجاز فطر بسفر قصر أي في السفر الذي تقصر فيه الصلاة وهو ما أشار إليه في فصل صلاة المسافر سن لمسافر غير عاص به ولاه أربعة برد فإن قيل : جعل هنا الفطر في السفر جائزا وهو مخالف لما قدمه أولا من أن الصوم في السفر مستحب وقد صرح ابن رشد في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم بأن الفطر في السفر مكروه فالجواب والله أعلم أن مراده هنا بالجائز ما يقابل الممنوع فيشمل المكروه والمباح ونص كلام ابن رشد إثر قول العتبية قال مالك في المسافر يقيم في المنزل يوما وما أشبه ذلك فيجوز له أن يفطر ما كان يجوز له أن يقصر وهذا كما قال : وهو مما لا اختلاف فيه لقول الله عز وجل { : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } إلا أن مالكا استحب له الصيام ويكره له الفطر لقول الله عز وجل { : وأن تصوموا خير لكم } ، انتهى . وفهم من كلام المصنف أنه يجوز الفطر للمسافر في البحر إذا كان سفرا تقصر فيه الصلاة ; لأنه سفر قصر وقد صرح بذلك في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الصيام ونقله ابن عرفة وغيره ونص السماع : وسئل عن المسافر في البحر يريد أن يفطر فقال له ذلك قال ابن رشد : وهذا كما قال إن المسافر في البر والبحر سواء في جواز الفطر لقوله تعالى { : هو الذي يسيركم في البر والبحر } .

                                                                                                                            ووجوب القصر وهذا مما لا اختلاف فيه احفظه ، انتهى . ونص ابن عرفة : وسفر القصر يبيح فطره وسمع ابن القاسم البحر كالبر . الشيخ وروى ابن نافع لو أقام ببلد ما لا يوجب إتمامه ، انتهى . وانظر التلقين والمعونة وفهم أيضا من كلام المصنف أنه يفطر ولو أقام يومين أو ثلاثة ما لم ينو إقامة أربعة أيام ; لأنه سفر قصر وصرح به في النوادر وتقدم نقله عنه في كلام ابن عرفة المتقدم ( فرع ) قال الجزولي : ويفطر في السفر الواجب والمندوب من غير خلاف واختلف في المباح والمكروه والمحظور . والمشهور يجوز له الفطر في المباح ولا يجوز في المكروه ولا المحظور ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) رأيت بخط بعض [ ص: 444 ] طلبة العلم عن شارح الرسالة الزهري أن من تعمد السفر في رمضان لأجل الفطر أنه لا يفطر ويعامل بنقيض مقصوده وهذا ظاهر ; لأن سفره حينئذ لا يكون مباحا إذا لم يكن له غرض إلا الإفطار قال : وكذلك من كان له مال يبلغه الحج فتصدق بجله ليسقط عنه الحج ذكر ذلك عند قول الرسالة وإن حاضت لأربع ركعات من النهار وأنها لو كانت تعلم أن ذلك يوم حيضتها وأخرت الصلاة إلى ذلك الوقت عمدا فإنه يلزمها القضاء ، انتهى .

                                                                                                                            وذكر الشيخ يوسف بن عمر هذه المسائل الثلاث إلا أنه قال : إن الحائض لا يلزمها قضاء وهي عاصية والمتصدق يسقط عنه الحج والمسافر لا يلزمه إلا القضاء وزاد المقيم يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت فيسافر ويصليها صلاة قصر له ذلك ، وكذلك الجزولي ذكر هذه المسائل كما ذكر الشيخ يوسف بن عمر ثم قال : وهذا مؤثم في هذا كله وما ذكره الشيخ يوسف بن عمر والجزولي في المسائل المذكورة ذكره اللخمي في زكاة الخلطاء من تبصرته إلا أنه قاله وجميع ذلك مكروه ونصه : ومن البخاري قال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم { : لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة } . ثم قال : اختلف في الحديث هل محمله على الوجوب أو الندب والمعروف من قول مالك وأصحابه أن المعروف محمل الحديث على الوجوب وروي عنه في مختصر ما ليس في المختصر فيمن باع إبلا بعد الحول بذهب فرارا أنه يزكي زكاة الذهب فعلى هذا محمل الحديث عنده على الندب ; لأنه فر قبل الوجوب ولو تصدق رجل من ماله بقدر ما يسقط عنه الحج وعلم ذلك أو سافر في رمضان إرادة لسقوط الصوم عنه الآن أو أخر صلاة الحضر عن وقتها ليصليها في السفر ركعتين أو أخرت امرأة صلاة بعد دخول وقتها رجاء أن تحيض فحاضت قبل خروج وقتها فجميع ذلك مكروه ولا يجب على هذا في السفر صيام ولا أن يصلي أربعا ولا على الحائض قضاء ، انتهى .

                                                                                                                            ونقله ابن عرفة في الخلطة وقبله إلا أنه ناقشه في احتجاجه على حمل الحديث على الندب بالمسائل المذكورة ونصه اللخمي : محمل الحديث على الوجوب ورواية ابن شعبان من باع إبلا بعد الحول بذهب فرارا زكى زكاة العين على الندب ثم قال : واحتجاج اللخمي على حمله على الندب بأن من قصد سقوط الحج عنه بصدقته ما ينفي استطاعته أو سافر في رمضان لسقوط صومه أو أخر صلاة ليصليها في سفره قصرا أو امرأة لتحيض فتسقط لم يعاملوا بنقيض مقصودهم يرد بأنه في الحج لتكليف ما لا يطاق وبأن السفر والتأخير غير منهي عنهما والتفريق والاجتماع منهي عنهما وتعبيره بالندب دون الكراهة متعقب ، انتهى . قوله وتعبيره بالندب دون الكراهة متعقب يعني به أنه كان الأولى أن يقول هل محمله على الوجوب أو الكراهة بدل قوله أو على الندب قال الونشريسي في قواعده من الأصول المعاملة بنقيض المقصود الفاسد وخالفوا هذا الأصل في المتصدق بكل المال لإسقاط فرض الحج ومنشئ السفر في رمضان للإفطار ومؤخر الصلاة إلى السفر للتقصير أو إلى الحيض للسقوط ، انتهى . فما قاله الزهري من أنه لا يفطر ويعامل بنقيض مقصوده مخالف لما قاله اللخمي وغيره إلا أن ما قاله ظاهر إذا لم يكن له غرض من السفر إلا الإفطار في رمضان ; لأن سفره حينئذ لا يكون مباحا وقد تقدم في كلام الجزولي أنه مأثوم في هذا كله وهذا يقتضي عدم الجواز وصرح في المدخل بأنه لا يجوز له التصدق بماله وتقدم كلام الشيخ يوسف بن عمر في الحائض أنها عاصية وصرح اللخمي بأن جميع ذلك مكروه فالفطر في هذه الحالة لا يتأتى على المشهور من أنه لا يجوز له الفطر في السفر المكروه أو الحرام كما تقدم في كلام الجزولي فتأمله ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( شرع فيه قبل الفجر ولم ينوه فيه ) ش ذكر لجواز الفطر في السفر ثلاثة شروط ، الأول : أن يشرع فيه [ ص: 445 ] الثاني : أن يكون شروعه قبل الفجر وإليهما أشار بقوله شرع فيه قبل الفجر الثالث : أن لا يكون نوى الصيام فيه أي في السفر فلا يجوز له الفطر ولا أن يبيته قال اللخمي : لم يختلف المذهب أنه لا يجوز له الفطر قبل أن يتلبس بالسفر ، انتهى . وقال ابن عرفة : ومبيح تبييت الفطر الاتصاف به لا يبيت أبو عمر اتفاقا انتهى وفي النوادر ومن يريد السفر في صيام يوم فواجب عليه أن يبيت الصيام انتهى ويأتي في كلام أبي الحسن الحكم فيما إذا لم يبيت وإن شرع في السفر بعد الفجر فلا شك أنه يلزمه البيات ويأتي حكمه إن لم يبيت فإذا بيته ثم سافر فاختلف فيه هل يجوز له الفطر أو لا ؟ قال في التوضيح : الأصح وهو المشهور عدم الجواز وقيل : يجوز قال اللخمي وهو ظاهر المدونة وسيأتي لفظها وإن شرع في السفر قبل الفجر فلا شك أنه يجوز له تبييت الفطر والصوم أفضل فإن بيت الصوم فهل يجوز له بعد ذلك الفطر ؟ قولان المشهور والأصح أنه لا يجوز له الفطر ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وإلا قضى )

                                                                                                                            ش : أي وإن لم يشرع في السفر قبل الفجر بل عزم عليه فيلزمه أن يبيت الصوم قال أبو الحسن في الكبير : ولا خلاف أنه إن لم يبيت الصوم وأصبح مفطرا أن عليه القضاء والكفارة سواء سافر أم لا ، انتهى .

                                                                                                                            وإن بيت الصوم ثم أفطر قبل شروعه في السفر أو بعد شروعه في السفر فعليه القضاء وكذلك إذا نوى الصوم في السفر ثم أفطر فيلزمه القضاء ولا إشكال في ذلك وإنما ذكره المصنف ليرتب عليه قوله ولو تطوعا والمعنى أن من أصبح صائما تطوعا في الحضر ثم سافر فأفطر من غير ضرورة أو نوى الصوم في السفر تطوعا ثم أفطر من غير ضرورة فعليه القضاء في الصورتين قاله في المدونة وقوله ولا كفارة إلا أن ينويه بسفر ظاهره أنه يرجع إلى الصور كلها المفهومة من الشروط المتقدمة فإذا بيت الصوم وأصبح صائما وعزم على السفر فأفطر قبل خروجه فلا كفارة عليه وكذلك لو أفطر بعد خروجه وكذا لو بيت الفطر قبل خروجه وأنه إنما تجب الكفارة في الصورة الرابعة وهي ما إذا نوى الصوم في السفر ثم أفطر فأما ما ذكره في هذه الصورة الرابعة من وجوب الكفارة وما فهم من كلامه في الصورة الثانية من سقوط الكفارة أعني فيما إذا بيت الصيام وسافر بعد الفجر ثم أفطر بعد سفره فهو مذهب المدونة وأما الأولى وهي ما إذا بيت الصوم وهو يريد السفر ثم أفطر قبل خروجه فلم يصرح في المدونة بوجوب الكفارة فيها ولا بسقوطها وأما الثالثة وهو ما إذا بيت الفطر في الحضر قبل خروجه فقد تقدم في كلام الشيخ أبي الحسن أن الكفارة واجبة بلا خلاف فيتعين إخراجها من كلام المصنف فقال في المدونة : فإن أصبح في السفر صائما في رمضان ثم أفطر لعذر فعليه القضاء فقط وإن تعمد الفطر لغير عذر فليكفر مع القضاء قال المخزومي وابن كنانة : لا يكفر وقال أشهب : إن تأول مالك وأشهب

                                                                                                                            وإن أفطر بعد دخوله إلى أهله نهارا فعليه القضاء والكفارة مالك كان فطره في أول النهار أو آخره أشهب ولا يعذر أحد في مثل هذا انتهى وإلى قول مالك وأشهب أشار المصنف بقوله

                                                                                                                            ص ( كفطره بعد دخوله )

                                                                                                                            ش : يعني أنه إذا بيت الصيام في السفر ثم دخل القرية فأفطر فيلزمه القضاء والكفارة بلا خلاف ثم قال مالك : ومن أصبح في الحضر صائما في رمضان وهو يريد سفرا فلا يفطر ذلك اليوم قبل خروجه ولا أحب له أن يفطر بعد خروجه فإن أفطر بعد أن سافر لزمه القضاء فقط وقال المخزومي وابن كنانة : يلزمه القضاء والكفارة انتهى . وقد ذكر ابن الحاجب وابن بشير واللخمي وصاحب الشامل في وجوب الكفارة فيما إذا بيت الصيام ثم أفطر قبل سفره أربعة أقوال وجوب الكفارة وعدم وجوبها وثالثها تجب إن لم يأخذ في أهبة السفر ورابعها تجب إن لم يتم سفره ولم يرجحوا قولا منها إلا أنه عزى [ ص: 446 ] الأول في التوضيح لمالك وأبي حنيفة والشافعي وسحنون والثاني لأشهب والثالث لابن حبيب والرابع لسحنون أيضا وأشهب وقال في البيان في سماع عيسى بعد حكايته الأقوال الأربعة : وأظهر الأقوال أن لا كفارة عليه بحال ; لأن الكفارة إنما هي تكفير للذنب ومن تأول لم يذنب والله تعالى مجاوز عن الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، انتهى .

                                                                                                                            ونص كلامه برمته في رسم سلف قال ابن القاسم : ولو أن رجلا أصبح في الحضرة صائما في رمضان ثم بدا له أن يسافر فتأول أن له الفطر فأكل قبل الخروج فخرج فسافر لم أر عليه إلا قضاء يوم ; لأنه متأول قال ابن رشد : هذه مسألة قد اختلف فيها على أربعة أقوال ، أحدها : أن عليه القضاء والكفارة سافر أو لم يسافر والثاني : أن عليه القضاء ولا كفارة عليه سافر أو لم يسافر والثالث : الفرق بين أن يسافر أو لا يسافر والرابع : أنه إن أكل قبل الأخذ في أهبة السفر كفر سافر أم لم يسافر وإن أكل بعد الأخذ في أهبة السفر كفر إن لم يخرج ، وأظهر الأقوال لا كفارة عليه بحال إلى آخر كلامه المتقدم برمته ثم قال : ولابن القاسم في المجموعة أن من أراد سفرا فحبسه مطر فأفطر فإنه يكفر ; لأنه من التأويل البعيد ، انتهى . وتقدم بعض كلامه هذا عند قول المصنف فظنوا الإباحة وأما إذا بيت الصيام في السفر ثم أفطر فقد تقدم التصريح في كلام المدونة بوجوب الكفارة وظاهرها سواء كان متعمدا أو متأولا وقد صرح بذلك في العتبية قال ابن عبد السلام : وعندي أن ظاهر المدونة كما في العتبية واعتمده في الشامل فقال : وحرم فطره إن خرج نهارا أو نواه بسفر على الأصح ولا كفارة في الأول دون الثاني إن تأول وإلا فمشهورها يكفر في الثاني فقط ورابعها عكسه ، انتهى .

                                                                                                                            وصرح ابن الحاجب بأنه لا كفارة على المتأول فقال في التوضيح : هذا مخالف لنص العتبية ثم ذكره ثم قال : لكن اعترضه التونسي يعني نص العتبية وقال : فيه نظر وينبغي أن لا كفارة عليه كما قاله في المدونة وقال ابن عبد السلام : وظاهر المدونة عندي كما في العتبية وذكر لفظها المتقدم وأما إذا بيت الصيام في الحضر وسافر ثم أفطر بعد سفره فقد صرح في المدونة بعدم الكفارة وظاهره متعمدا أو متأولا وهو ظاهر كلام الشامل وقال أبو الحسن : وإن أفطر بعد سفره فإن تأول فظاهر المذهب لا كفارة عليه وإن لم يتأول فقولان وصرح ابن الحاجب بأنه إن تأول فلا كفارة عليه ولم يحك فيه خلافا وإن لم يتأول فحكى فيه الخلاف قال : والمشهور عدم وجوب الكفارة فإنه جمع بين المسألتين جميعا أعني مسألة ما إذا نوى في السفر ثم أفطر ومسألة ما إذا سافر بعد الفجر ثم أفطر فقال فيهما فإن أفطر متأولا فلا كفارة وإن لم يتأول فثالثها المشهور تجب الكفارة في الأول دون الثاني ورابعها العكس قال في التوضيح : فظاهرها تجب الكفارة لالتزامه الصوم وفطره من غير عذر وقيل : لا فيهما مراعاة للخلاف والمشهور تجب فيما إذا نوى في السفر دون ما إذا صام في الحضر ثم سافر ; لأن طرو السفر مبيح لمن لم يكن بخلاف من أنشأ الصوم في السفر فإنه لم يطرأ عليه مبيح وعكس المشهور للمخزومي وابن كنانة ووجهه أن حرمة الصوم في حق من أنشأ الصوم في الحضر أقوى ; لأنه لا يجوز له حين الإنشاء إلا الصوم بخلاف من أصبح في السفر صائما فإنه كان مخيرا في الفطر ابتداء ، انتهى .

                                                                                                                            ولعل المصنف إنما تكلم على مسألتي المدونة ; لأن مراده بيان حكم من أفطر في السفر وأما من أفطر في الحضر فسكت عنه اعتمادا على هذا الظاهر من وجوب الكفارة ولا شك أن هذا القول هو الأقوى ; لأنه نسبه لمالك ( تنبيه ) قول المصنف كفطره بعد دخوله ولو تركه لم يحتج إليه ; لأنه مفهوم بالأحروية من قوله إلا أن ينويه بسفر ; لأنه إذا كان من نوى الصوم في السفر ثم أفطر في السفر تجب عليه الكفارة فأحرى إذا أفطر بعد وصوله إلى أهله قال ابن غازي : وكأنه شبه الأضعف الذي يخالف فيه أشهب [ ص: 447 ] بالأقوى الذي يوافق عليه واستوى مع ذلك ذكر الفرعين المنصوصين فلهذا لم يستغن عن ذكر الأحروي ، والله أعلم . فتحصل من هذا أن مسائل الفطر للمسافر خمس مسائل ، الأولى : إذا عزم على السفر بعد الفجر ولم يسافر فيجب عليه أن يبيت الصيام فإذا بيت الإفطار فصرح أبو الحسن بأنه لا خلاف أن عليه القضاء والكفارة وظاهره سواء كان عامدا أو متأولا وهو ظاهر .

                                                                                                                            الثانية : إذا بيت الصيام في الحضر ثم عزم على السفر فلا يجوز له الإفطار قبل خروجه ولم أر في ذلك خلافا وقال ابن عرفة اللخمي : لا يفطر قبل تلبسه به اتفاقا فإن أفطر قبل خروجه ففي ذلك أربعة أقوال حكاها ابن الحاجب كما تقدم ولم يبين هل ذلك في العامد أو المتأول وحكى في البيان في آخر سماع عيسى الأربعة الأقوال التي حكاها ابن الحاجب في المتأول كما تقدم وحكى عن ابن القاسم سقوط الكفارة واستظهره وظاهر كلامه أن العامد عليه الكفارة وهو ظاهر وعزا ابن عرفة ما ذكره ابن الحاجب لطريق اللخمي ثم ذكر طريق ابن رشد .

                                                                                                                            الثالثة : إذا أصبح صائما ثم سافر فهل يجوز له الإفطار أم لا ؟ فالمشهور من المذهب أنه لا يجوز له الإفطار وقال القاضي أبو الحسن بن القصار : يكره وقال ابن حبيب : يجوز له الفطر حكاها الباجي ونقلها في التوضيح وابن عرفة وعلى المشهور فإن أفطر متأولا فلا كفارة عليه كما صرح به ابن الحاجب ولم يحكوا فيه خلافا وإن أفطر عامدا فالمشهور أنه لا كفارة عليه كما صرح به ابن الحاجب وقبله في التوضيح . الرابعة : إذا بيت الصيام في السفر هل يجوز له الفطر أم لا ؟ المشهور أنه يجوز له الفطر وقال ابن الماجشون : يجوز له الفطر نقله في التوضيح وعلى المشهور فإن أفطر متأولا فظاهر المدونة أن عليه الكفارة وصرح بذلك في سماع موسى من العتبية وقال ابن رشد : إنه مبين لمذهب مالك في المدونة أنه عليه الكفارة وإن تأول وقال أشهب في المدونة : لا كفارة عليه قال ابن رشد : وهو الأظهر وعليه اقتصر ابن الحاجب وقال ابن عبد السلام : ظاهر المدونة عندي مثل ما في العتبية وإن أفطر متعمدا فالمشهور أن عليه الكفارة ولمالك في المدونة لا كفارة عليه حكاه في البيان وتقدم أن الفرق على المشهور بين من أصبح صائما ثم سافر فأفطر وبين من بيت الصيام في السفر ثم أفطر أن طرو السفر عذر مبيح طرأ لم يكن بخلاف الذي بيت الصوم في السفر فإنه لم يطرأ عليه مبيح وأن المخزومي عكس ذلك فقال بالكفارة مع العمد في المسألة الثالثة دون الرابعة ; لأنه رأى أن حرمة الصوم في حق من أنشأه في الحضر أقوى ; لأنه لا يجوز له حين الإنشاء إلا الصوم بخلاف من أصبح صائما في السفر فإنه كان مخيرا في الفطر حين أنشأ الصوم ، والله أعلم .

                                                                                                                            الخامسة : من بيت الصوم في السفر ثم دخل الحضر فأفطر بعد دخوله فلا يجوز له الفطر بلا خلاف وعليه الكفارة وظاهر كلامهم أنه لا خلاف في ذلك فتأمله ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية