الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وشرط وجوبه كوقوعه فرضا حرية وتكليف وقت إحرامه بلا نية نفل ) ش شروط الحج على ثلاثة أضرب : شرط في الصحة ، وشرط في الوجوب ، وشرط في وقوعه فرضا ، فذكر المصنف أولا شرط الصحة وهو الإسلام فقط وذكر هنا شروط وجوبه وشروط وقوعه فرضا ، فقال : وشرط وجوبه فرضا إلى آخره

                                                                                                                            يعني أن شروط وجوب الحج الحرية والتكليف أي كون الشخص مكلفا وهو العاقل البالغ ، وشرط وقوعه فرضا الحرية والتكليف وخلوه عن نية النفل فيكون شروط وجوبه ثلاثة : الحرية والبلوغ والعقل ، وشروط وقوعه فرضا أربعة : هذه الثلاثة وخلوه عن نية النفل فلا يجب الحج على عبد ولا على من فيه شائبة رق من مكاتب ومدبر ومعتق لأجل وأم ولد ومعتق بعضه ، ولو كان أكثره ولا على من ليس ببالغ ولا على مجنون ويصح من جميعهم إذا كانوا محكوما بإسلامهم ولا يقع فرضا ممن ذكرنا ولو نووا الفرض وقوله وقت إحرامه راجع إلى الأخير ، يعني أن الحرية والتكليف إنما يعتبران في وقوعه فرضا وقت الإحرام به فمن كان وقت الإحرام حرا مكلفا صح إحرامه بالفرض ومن لم يكن حرا أو مكلفا وقت الإحرام الذي أذن فيه السيد أو الولي فلا يصح منه الفرض ، ولو صار من أهل الوجوب بعد ذلك قبل [ ص: 488 ] الوقوف بعرفة فلو أحرم العبد في حال رقه ثم عتق أو أحرم الصبي قبل بلوغه أو الجارية قبل بلوغها ثم بلغا فلا ينقلب ذلك الإحرام فرضا ، ولا يجزئ عن الفرض ولو رفضوه ونووا الإحرام بحج بالفرض لم يرتفض ، وهم باقون على إحرامهم ولو حصل العتق والبلوغ قبل الوقوف بعرفة هذا هو المعروف في المذهب ، وقال الشافعي وابن حنبل : يجزيهما إذا كان العتق والبلوغ قبل الوقوف ، وأما أبو حنيفة فوافقهما في العبد ومنع انعقاد إحرام الصبي بالكلية ، وقال في الإكمال : اختلف العلماء فيمن أحرم وهو صبي ثم بلغ قبل عمل شيء من الحج فقال مالك : لا يرفض إحرامه ويتم حجه ولا يجزيه عن حجة الإسلام ، قال : وإن استأنف الإحرام قبل الوقوف بعرفة أجزأه لحجة الإسلام ، وقيل : يجزئه إن نوى في إحرامه الأول حجة الإسلام انتهى .

                                                                                                                            قال المصنف في التوضيح إثر نقله كلامه : ولم أر من وافقه على الإجزاء فيما إذا استأنف الإحرام ، وأما إذا نوى بإحرامه الأول الفرض على أنه يمكن أن يحمل قوله ، وإن استأنف الإحرام على أن يكون مراده إذا لم يكن محرما فانظره ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) هذا الحمل بعيد من لفظه وما ذكره القاضي عياض مخالف لنص المدونة قال فيها : ولو أحرم العبد قبل عتقه والصبي والجارية قبل البلوغ تمادوا على حجهم ، ولم يجز لهم أن يجددوا إحراما ولا تجزيهم عن حجة الإسلام انتهى .

                                                                                                                            ولفظ الطراز أبين فإنه قال : قال مالك في الصبي يحرم ثم يبلغ عشية عرفة أو قبلها فيجدد إحراما : إنه لا يجزي عن حجة الإسلام وكذلك الجارية انتهى .

                                                                                                                            وقال في مختصر الواضحة : قال : لو أن غلاما مراهقا أحرم بالحج ثم احتلم مضى على إحرامه الأول ولا يجزيه عن حجة الفريضة ولا يجزيه أن يردف إحراما على إحرامه الأول انتهى .

                                                                                                                            وقال سند في الرد على الشافعي : لأن إحرامه انعقد نفلا إجماعا وما عقد نفلا لا ينقلب فرضا كسائر العبادات انتهى .

                                                                                                                            وقال في التوضيح قبل نقله كلام الإكمال السابق : إذا أحرم الصبي بالحج وبلغ في أثنائه لزمه أن يتمادى على ما أحرم به ولا يجزيه عن فرضه ; لأنه إنما انعقد نفلا وهذا هو المذهب ، فقد ذكر صاحب اللباب عن مالك عدم الإجزاء سواء جدد إحراما أم لا ، ونحوه للتلمساني والقرافي ونحوه في الاستذكار لقوله : اختلف في المراهق والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم هذا ويعتق هذا قبل الوقوف ، فقال مالك : لا سبيل إلى رفض إحرامها ويتماديان ولا يجزيهما عن حجة الإسلام ثم ذكر مذهب الشافعي وأبي حنيفة ثم قال : انتهى بمعناه ، ونص غير واحد أنه يلزمهما التمادي ولا يكون لهما رفض ، ثم ذكر كلام صاحب الإكمال المتقدم ولابن عبد البر في التمهيد مثل ماله في الاستذكار وقال المشذالي في حاشيته بعد أن ذكر كلام صاحب الإكمال وهذا النقل لا يعرف لغيره ، انتهى والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية