الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ولو شهد بعد موته بطلاقه فكالطلاق في المرض )

                                                                                                                            ش : قال في رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة : وسئل مالك عن الرجل يشهد عليه بأنه طلق امرأته ألبتة وقد ماتت أترى أن يرثها ، قال لا وحين قيل له أفرأيت إن مات هو أفترى أن ترثه ، قال : ليس هي مثله نعم ترثه .

                                                                                                                            قال سحنون : معناه أن الشهود كانوا قياما معه يعني حضورا معه في البلد فلم يقوموا عليه حتى مات ابن رشد قول سحنون معناه كانوا قياما فلم يقوموا حتى مات ليس بصحيح إذ لو كانوا قياما معه فلم يقوموا لوجب أن يرث كل واحد صاحبه لأن شهادتهم كانت تبطل بترك قيامهم بها وإنما وهم سحنون في تفسير قول مالك هذا والله أعلم لما وقع في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة من قول يحيى بن سعيد في شهود شهدوا على رجل بعد موته أنه طلق امرأته لا تجوز شهادتهم إذ كانوا حضورا ولامرأته الميراث .

                                                                                                                            وكذلك يقول يحيى بن سعيد أيضا لو ماتت هي أن له الميراث من أجل سقوط شهادة الشهود لحضورهم فليس معنى مسألة مالك يعني المسألة المتقدمة التي فرق فيها بين أن يشهدوا بعد موته أو بعد موتها إلا إن كانوا غيبا وكذلك وقع في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق وإن الشهود كانوا غيبا لا يتهمون فمالك أحق بتبيين ما أراد ووجه تفرقته بين ميراثه منها وميراثها منه هو أنه إذا كان هو الميت فلم يعذر إليه في شهادة الشهود ولعله لو أعذر إليه فيهم لا تبطل شهادتهم فرأى لها الميراث من أجل أن الشهادة لا يجب الحكم بها إلا بعد الإعذار إلى المشهود عليه وإذا كانت هي الميتة أمكن أن يعذر إليه وأنه عجز عن الدفع وجب الحكم بالطلاق يوم وقع فلم يكن له ميراث منها ، .

                                                                                                                            وقال محمد بن المواز : إنما ورثته ولم يرثها ; لأنه كالمطلق في المرض لأن الطلاق وقع يوم الحكم .

                                                                                                                            ولو لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد ، قال أبو إسحاق : وهو كلام فيه نظر لأن الحاكم إنما ينفذ شهادة البينة وهي تقول إن الطلاق وقع قبل الموت وإنما درئ الحد بالشبهة إما لنسيانه وإما لإمكان أن يكون صادقا في إنكار الشهادة ولو كان الطلاق وقع بعد الموت لورثها هو أيضا والقياس أنها لا ترثه كما لا يرثها لأن الإعذار يجب إليهما جميعا فكما لا يرثها وإن لم يعذر إليها لا ترثه وإن لم يعذر إليه وهو قول سحنون ويحيى بن عمر وسيأتي في رسم بع من سماع عيسى طرف من هذا المعنى ، وبالله التوفيق ، انتهى .

                                                                                                                            وقال في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من الكتاب المذكور وسئل مالك عن رجل أقر عند قوم أنه بارأ امرأته ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبارئ وأنكرت هي تكون بارأته ، قال : إذا شهد عليه بإقراره بانت منه بواحدة ولا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد .

                                                                                                                            وإن مات في عدتها ورثته ولم يرثها ابن رشد في الميراث لا يصح بوجه لأن قوله لا رجعة له عليها يدل على أن الشهادة كانت عليه في حياته فإذا حكم عليه في حياته بأنها بائنة منه وجب أن لا يكون بينهما ميراث ولو كانت الشهادة [ ص: 30 ] عليه بعد موته لوجب ما قلناه في معنى مسألة رسم طلق من سماع ابن القاسم أن ترثه ولا يرثها مات في العدة أو بعدها ; لأنه طلاق بائن ولا وجه لقوله وإن مات في عدتها على كل حال ، انتهى .

                                                                                                                            ونص ما في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ، وقال عن مالك في رجل مات عن امرأته فجاء شهود عدول لا يتهمون فشهدوا أنه قد طلقها منذ سنين أنها ترثه ولو ماتت لم يرثها قيل له فما الحجة في أنها ترثه ، قال : أرأيت لو كان قائما فشهدوا عليه أترجموه قلت لا ، قال : فما يدرينا ما كان يدرأ به عن نفسه ، قال ابن القاسم : وهو رأيي وتعتد أربعة أشهر وعشرا ، قال ابن رشد : هذه مسألة قد مضى القول عليها في رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة فلا معنى لإعادته ، انتهى .

                                                                                                                            وكلام المدونة الذي أشار إليه ابن رشد هو في آخر كتاب الأيمان بالطلاق ونصه : قال يحيى بن سعيد : ومن طلق وأشهد ثم كتم هو والبينة ذلك إلى حين موته فشهدوا بذلك حينئذ فلا تجوز شهادتهم إن كانوا حضورا ويعاقبون ولها الميراث ، انتهى . فذكر الشيخ أبو الحسن كلام ابن المواز وذكر ما في سماع ابن القاسم من طلاق السنة وكلام سحنون فيه .

                                                                                                                            وقال بعده ابن يونس : يجب على هذا أن لا يثبت الطلاق وترثه ويرثها وقد رواها عيسى عن ابن القاسم عن مالك أن الشهود كانوا غيبا سنين .

                                                                                                                            وقال يحيى ابن عمر : لا ترثه ، انتهى . ثم ذكر أبو الحسن عن عبد الحميد أنه فرق بين كونها ترثه ولا يرثها بما نصه عبد الحميد والفرق بين الموضعين أن الحكم بالطلاق لا يتصور على ميت وإنما يتصور على حي فإذا كان الزوج هو الميت فحكم عليه بالطلاق وقع عليه من آخر أجزاء حياته ومن طلق في تلك الحال ورثته زوجته فإذا كانت الزوجة هي الميتة لم يرثها لأن من طلق امرأته وهي مريضة لم يرثها وكذلك لو ماتا جميعا فإن كان الزوج هو الميت الأول ورثته وإن كانت الزوجة هي الميتة أولا لم يرثها ويشهد لهذا الذي عللناه قول ابن المواز في توريثها منه إذا كان هو الميت ; لأنه طلاق في المرض الشيخ .

                                                                                                                            ووجه قول يحيى بن عمر لا ترث نظرا إلى يوم وقع الطلاق ، انتهى . وذكر في المتيطية كلام ابن رشد إلخ لم يعزه له صريحا ، قال بعض الشيوخ ثم قال بعده وما قاله أبو إسحاق معترض من قوله إنما درئ الحد بالشبهة فكان يجب على هذا أن لو شهد أربعة على رجل بالزنا شهادة يجب بها حده وأنكر الشهادة أن يكون صادقا في إسقاط الشهادة وهذا لا يقوله أحد ، والله أعلم ، انتهى .

                                                                                                                            قال ابن عرفة بعد ذكره الكلام المتقدم : يرد تعقبه على أبي إسحاق بأن الشبهة عنده هي مجموع ما ذكر وإمكان نسيانه حنثه في زوجته ، انتهى .

                                                                                                                            فتحصل من هذا أنه إذا كان الشهود حضورا فشهادتهم باطلة وترثه ويرثها وإن كانوا غيبا ثم قدموا فشهدوا بالطلاق فإن كان بعد موته ورثته وإن بعد موتها هي لم يرثها على قول مالك وابن القاسم ، وقال سحنون ويحيى بن عمر : لا ترثه كما أنه لا يرثها ، وقال في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم ، وقال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته فيشك في يمينه فيسأل ويستفتي ثم يتبين له حنثه ، قال مالك : تعتد من حين وقفه عنها وليس من حين تبين له قيل لابن القاسم فإن مات قبل ذلك أيتوارثان ، قال : ينظر في يمينه فإن كان يحنث فيها لم ترثه وإلا ورثته ابن رشد قوله تعتد من حين وقفه صحيح لا اختلاف فيه لأن العدة من يوم الطلاق والطلاق إنما وقع عليه من يوم الحنث وقوله في الميراث ينظر في يمينه إلخ وفي بعض الكتب لم ترثه ولا يرثها ليس بخلاف لما تقدم في رسم طلق في الذي يشهد عليه الشهود أنه قد طلق امرأته ألبتة وقد ماتت أنها ترثه ولا يرثها والفرق بين المسألتين أن الرجل في هذا لم يزل مقرا على نفسه بما أوجب عليه الطلاق فوجب أن لا يكون بينهما ميراث بعد وقوع الطلاق ومسألة كتاب طلق شهد الشهود وهو منكر لشهادتهم فوجب في ذلك الإعذار [ ص: 31 ] إليه حسبما تقدم القول فيه ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                            ( تنبيه ) علم من هذا الكلام وما قبله أن صورة هذه المسألة أن تكون المرأة تحت الزوج إلى حين موته ولم يعلم طلاقها إلا من الشهود بعد موته وأما لو طلقها في صحته وانفصلت عنه وعلم ذلك فلا شك أنها ترثه وقد نبه على هذا ابن الفرات في شرحه لهذا المحل ونصه : ويظهر أن هذا مقيد بما إذا كان معها يعاشرها معاشرة الأزواج إلى أن مات لقول المتيطي في توجيه ذلك لأن الطلاق إنما يقع يوم الحكم ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية