الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( لا لعيب وما للمولى فسخه أو لعسره بالنفقة كاللعان )

                                                                                                                            ش : قال في آخر كتاب اللعان من المدونة ومن قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض أو في دم نفاسها فلا يتلاعنا حتى تطهر .

                                                                                                                            وكذا إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنين وغيره والمرأة حائض فلا تطلق عليه حتى تطهر إلا المولى فإنه إذا حل الأجل وهي حائض فلم يفيئ طلق عليه وروى أشهب عن مالك أنها لا تطلق عليه حتى تطهر ، انتهى .

                                                                                                                            وقال في المقدمات في طلاق السنة : ولا يطلق السلطان على من به جنون أو جذام أو برص أو عنة أو عجز عن النفقة وما أشبه ذلك مما يحكم فيه بالفراق في الحيض ولا في دم النفاس وكذلك لا يلاعن بين الزوجين في الحيض ولا في النفاس فإن فعل فقد أخطأ ولا يجبر في شيء من ذلك على الرجعة ; لأنه طلاق بائن إلا في الذي يطلق عليه لعدم الإنفاق فإنه يجبر على الرجعة إن أيسر في العدة هذا الذي يلزم على أصولهم ولا أعرفه فيها رواية .

                                                                                                                            وأما المولى فاختلف قول مالك هل يطلق عليه في الحيض أو لا على قولين فإذا طلق عليه في الحيض على أحد قوليه فإنه يجبر على الرجعة تطلق عليه بالقرآن ويجبر على الرجعة بالسنة وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن تطليق الإمام على المجنون والمجذوم والمبروص إنما هي طلقة رجعية وأن الموارثة بينهما قائمة ما دامت العدة لم تنقض ولو صحوا في العدة من أدوائهم لكانت لهم الرجعة وهو خلاف المعلوم من المذهب أن كل طلاق يحكم به الإمام فهو بائن إلا المولى والمطلق عليه لعدم النفقة فعلى قوله لو أخطأ الإمام فطلق على أحدهم في الحيض لجبر على الرجعة إن صح من دائه وأما العنين فلا اختلاف أن تطليق الإمام عليه تطليقة بائنة ; لأنه طلاق قبل الدخول لتقاررهما على عدم المسيس ثم قال : فصل ، وأما كل نكاح يفسخ بعد البناء لفساده .

                                                                                                                            وإن فسخ بطلاق فإنه يفسخ عليه ما عثر عليه وإن كان ذلك في الحيض أو دم النفاس بخلاف ما كان في فسخه وإجازته خيار لأحد .

                                                                                                                            وكذلك الأمة تعتق تحت العبد لا تختار في الحيض فإن فعلت لم تجبر على الرجعة لأنها طلقة بائنة وقد روى عيسى عن ابن القاسم ما يدل على أنها رجعية وهي رواية ابن نافع عن مالك فعلى هذا يجبر على الرجعة إذا عتق [ ص: 42 ] في العدة ولا يملك أحد زوجته في الحيض فإن فعل فلا تختار فيه وذلك بيدها حتى تطهر من حيضتها وإن انقضى المجلس ولا يدخل في ذلك اختلاف قول مالك في مراعاة المجلس وإن سبقت إلى الخيار في الحيض جبر زوجها على الرجعة فيما دون الثلاث ، انتهى . وقال اللخمي في طلاق السنة ، قال محمد : ولا تطلق على المجنون والمجذوم والعنين ومن عدم النفقة في الحيض والنفاس .

                                                                                                                            قال الشيخ : وأرى إن أخطأ الحاكم وطلق حينئذ لم يلزم الطلاق بخلاف طلاق الزوج بنفسه لأن القاضي في هذا كالوكيل على صفة ففعل غير ما وكل عليه ; ولأنه لو أجيز فعله لجبر الزوج على الرجعة ثم يطلق عليه أخرى إذا طهرت فيلزمه طلقتان وفي هذا ضرر إلا العنين فإنه يمضي عليه الطلاق لأن الطلقة بائنة ، انتهى . ثم ذكر الخلاف في المولى وفسخ الفاسد وما فيه خيار كما ذكره ابن رشد وما ذكره ابن رشد هو الظاهر لأن المذهب أن فعل الوكيل كفعل الموكل ولما ذكر في التوضيح كلام اللخمي المتقدم في شرح قول ابن الحاجب في طلاق السنة والقول قولها أنها حائض ، قال : وكلام اللخمي يقتضي أن الطلاق الذي يوقعه على المجنون والمجذوم رجعي وهو قول التونسي وهو خلاف أصل المذهب ففي المقدمات ذهب التونسي ثم ذكر من كلام المقدمات المتقدم إلى قوله .

                                                                                                                            وأما العنين واقتصر الشارح في شامله هنا على كلام اللخمي ، فقال : لا لعيب وعسر بنفقة وما للمولى فسخه اللخمي وإن أوقعه الحاكم خطأ لم يقع إلا في العنين ، انتهى . مع أنه نقل في شرحه الكبير كلام ابن رشد المتقدم وأنه يقع بائنا ولا يجبر على الرجعة وكذلك ابن عرفة ولم يذكر هنا إلا كلام اللخمي مع أنه قال في فصل الخيار للعيب : وطلاق العيب واحدة بائنة ولو كان بعد البناء حيث تصور ، ثم ذكر كلام ابن رشد وعزاه له في البيان في سماع ابن القاسم

                                                                                                                            ص ( وفي طالق ثلاثا للسنة إن دخل بها وإلا فواحدة )

                                                                                                                            ش : قال في طلاق السنة من المدونة : ولو قال لها : أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن ساعة إذا كانت طاهرا أو حائضا أو بانت منه ، انتهى . قال الوانوغي في حاشيته : ما يعطيه هذا الكلام من التنافي يزيله من توغل في قواعد المذهب ، قال المشذالي : ظهور التنافي بين الطلاق ثلاثا أو في الحيض وكونه سنيا ويدفعه أن القاعدة إذا علق على محقق الوقوع أو غالبه وجب تنجيزه فكأنه هنا علقه على طهرها فوجب تنجيزه عليه في المسألتين ، انتهى .

                                                                                                                            وما قاله المشذالي لا يزيل الإشكال فيما يظهر لمن هو قصير الباع في قواعد المذهب مثلي لأن من طلق في كل طهر طلقة فليس هو من طلاق السنة على المشهور إلا أن يقال لزمه الطلاق مراعاة لقول أشهب وغيره إن الطلاق الواقع على الصفة المذكورة طلاق سنة فيمكن ذلك فتأمله ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) وكذا تلزمه طلقة واحدة ويجبر على الرجعة إذا قال : أنت طالق للسنة ولم يقل ثلاثا ، قاله في طلاق السنة من المدونة ونقله ابن الحاجب وغيره .

                                                                                                                            ( فرع ) إذا قال : أنت طالق إذا حضت الأولى وأنت طالق إذا حضت الثالثة وأنت طالق إذا حضت الخامسة لا يقع عليه إلا طلقة لأن ما زاد عليها لا يقع إلا بعد العدة ولو طلقها واحدة ثم قال : أنت طالق كلما حضت وقعت الثلاث ولو قال : أنت طالق إذا حضت ثانية بعد أولى فأنت طالق وإذا حضت ثالثة فأنت طالق لزمه طلقتان الأولى وطلقة عجلت عليه ابن أبي زيد . ووقعت الثالثة بعد انقضاء العدة بدخولها في الحيضة الثالثة

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية