الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وتسقط عن الموسر بمضي الزمن إلا لقضية أو ينفق غير متبرع )

                                                                                                                            ش : أي وتسقط نفقة القريب سواء كان أبا أو ابنا بمضي الزمن عن قريبه ، فلو تحيل [ ص: 212 ] في الإنفاق ثم أراد الرجوع فليس له ذلك ; لأنها مواساة لسد الخلة ، فإذا أنسدت الخلة زال الوجوب ، وهذا بخلاف نفقة الزوجة ; لأنها في معنى المعاوضة ، فلا تسقط ، وأما نفقة القريب فتسقط إلا لقضية أي إلا إذا كان القاضي قد فرضها ، فلا تسقط ويرجع بها المنفق ، ولو مضى زمنها أو ينفق على القريب شخص غير متبرع ، وما ذكره المصنف هو نحو قول ابن الحاجب وتسقط عن الموسر بمضي الزمان ، بخلاف الزوجة إلا أن يفرضها الحاكم أو ينفق غير متبرع ، قال ابن عرفة وكلامه يقتضي أن نفقة الأجنبي غير متبرع كحكم القاضي بالنفقة ، وليس كذلك إنما يقضى للمنفق غير متبرع إذا كان ذلك بعد الحكم بها ، قال إلا أن يفرضها فيقضي بها لهما أو لمن أنفق عليهما غير متبرع لكان أصوب . الشيخ عن الموازية : إذا رفع الأبوان إلى السلطان في مغيب الابن ، ولا مال له حاضر لم يأمرهما أن يتسلفا عليه ، بخلاف الزوجة إذ لا تجب نفقتهما إلا بالحكم ، انتهى . وكلام ابن عبد السلام قريب مما قاله ابن عرفة ، ونصه إثر قول ابن الحاجب إلا أن يفرضها الحاكم أو ينفق غير متبرع يعني إلا أن تكون النفقة وجبت بعد توجه موجبها عند الحاكم وفرضها لمن وجبت له ، وتعذر أخذها ممن وجبت عليه لغيبة وشبهها أو لم تتعذر فأنفق على الأب أو على الولد من لم يقصد إلى التبرع ، بل قصد الرجوع فله الرجوع ، ونبه بقوله : وفرضها القاضي على الجمع بين مسألتي المدونة ، وذلك أنه قال في كتاب الزكاة الأول في الأبوين ، والولد إذا أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا ، وقال في النكاح الثاني : وإذا أنفقت يعني الزوجة على نفسها وعلى صغار ولده وأبكار بناته من مالها أو سلفا والزوج غائب فلها اتباعه إن كان في وقت نفقتها موسرا ، فجمعوا بينهما على أن ما في الزكاة قبل فرض القاضي وما في النكاح بعد فرضه ، انتهى .

                                                                                                                            ونقل ابن عرفة كلامه هذا برمته ، وقال بعده : قلت : في زكاتها مثل ما في نكاحها وهو قوله : ويعدي الولد والزوجة بما تسلفاه في يسره من النفقة ، انتهى . فأول كلام ابن عبد السلام إلى قوله : فله الرجوع ظاهره يقتضي ما قاله ابن عرفة إن إنفاق غير المتبرع على الأب والولد كان بعد وجوب النفقة ، وذلك بعد توجه موجبها عند الحاكم وفرضها لمن وجبت له ، وهذا الذي ذكره ابن عرفة بالنسبة إلى نفقة الوالدين ظاهر كما تقدم في كلام ابن رشد في مبيع عقار الغائب للنفقة على أبويه في شرح قول المصنف وفرض في مال الغائب ، وأما نفقة الولد فليس ذلك بظاهر بل قد نقل هو في كلامه المتقدم عن المدونة في الزكاة والنكاح أنه يعدي الولد والزوجة بما تسلفا في يسره من النفقة .

                                                                                                                            وتقدم عنه أيضا عند قول المصنف وعلى الصغير إن كان له مال أنه نقل عن ابن رشد أن المنفق على الصغير لا يرجع إلا إذا كان للصغير مال أو لأبيه ، وإن رأى الولد كماله وأن رجوعه إنما هو إذا أنفق ، وهو يعلم مال اليتيم أو يسر الأب ، وما ذكره عن زكاة المدونة ، وهو قول أشهب في الزكاة الأول ، وفي آخر باب المديان بعد كلام ابن القاسم الذي نقله ابن عبد السلام عن نكاحها الثاني هو في أواخره في باب زكاة ما يباع على الرجل فيما يلزمه من نفقة امرأته ، وهو نص ما ذكره ابن عبد السلام عنها هو نص كلام ابن القاسم برمته ، وأما ما ذكره ابن عرفة فهو بعض كلام أشهب ولتركه كلام الكتابين المتقدمين من الأم بلفظها تتميما للفائدة ، قال في النكاح الثاني : قلت : أرأيت إن أنفقت على نفسها وعلى ولدها والزوج غائب ثم طلبت نفقتها . قال ذلك لها إن كان موسرا يوم أنفقت على نفسها وعلى أولادها منه إذا كانوا صغارا أو جواري أبكارا حضن أو لم يحضن وهذا رأيي ، انتهى . وقال في الزكاة الأول بعد قوله : قلت : أرأيت رجلا له عشرون دينارا قد حال عليه الحول وعليه عشرة دراهم نفقة شهر لامرأته قد كان فرضها القاضي أو لم يفرضها ثم اتبعته بنفقة الشهر ، وعند الزوج هذه [ ص: 213 ] العشرون دينارا فقال : تأخذ نفقتها ، ولا يكون على الزوج فيها زكاة . قلت : أرأيت إن كانت هذه النفقة على هذا الرجل الذي وصفت لك إنما هي نفقة والدين أو ولد ، فقال : لا تكون نفقة الوالدين والولد دينا أبطل به الزكاة عن الرجل ; لأن الوالدين والولد إنما تلزم النفقة لهم إذا اتبعوا ذلك ، وإن أنفقوا ثم طلبوه بما أنفقوا لم يلزمه ما أنفقوا ، وإن كان موسرا تلزمه ما أنفقت قبل أن تطلبه بالنفقة إذا كان موسرا . قلت : فإن كان القاضي قد فرض للأبوين نفقة معلومة فلم يعطهم ذلك شهرا ، وحال الحول على ما عند الرجل بعد هذا الشهر أتجعل نفقة الأبوين هاهنا دينا فيما في يديه إذا قضى بها القاضي . ؟ قال : لا .

                                                                                                                            وقال أشهب أحط به عنه الزكاة وألزمه ذلك إذا قضى القاضي عليه في الأبوين ; لأن النفقة لهما إنما تكون إذا طلبا ذلك ، ولا يشبهان الولد ، ويرجع الولد على الأب بما تداين الولد لو أنفق عليه إذا كان موسرا ، ويحط ذلك عنه الزكاة كان بفريضة من القاضي أو لم يكن ; لأن الأولاد لم تسقط نفقتهم عن الولد إذا كان له مال من أول ما كانوا حتى يبلغوا والوالدان قد كانت نفقتهما ساقطة ; فإنما ترجع نفقتهما بالقضية والحكم من السلطان والله أعلم ، انتهى . قال أبو الحسن الصغير قوله : وإن أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا انظر هذه المسألة تناقض مسألة تضمين الصناع فيمن أنفق على لقيط ثم ظهر له بعد ذلك أنه يرجع على الأب بالنفقة فيقوم مما في تضمين الصناع ، مثل قول أشهب إن نفقة الولد تسقط الزكاة ، وإن كانت بغير قضية ثم نقل كلام اللخمي وأبي إسحاق وغيرهما من الشيوخ ، وما قالوه من التوفيق بين قول ابن القاسم وأشهب ، وأطال الكلام في ذلك فليراجعه من أراده والله أعلم . وتقدم في كلام ابن عبد السلام الإشارة إلى معارضة كلام ابن القاسم المذكور أيضا بكلامه الذي في النكاح الثاني وما وفق به بينهما والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية